وعلى ركح مسرح الحمامات تجلى عمل فني تجريبي من تأليف وتوزيع كريم ثليبي عن رواية للأديب محسن بن نفيسة "غدا .. يوم القيامة"، وهو نتاج بحث علمي ومخبري وكتابة اركسترالية معاصرة.
عناصر بصرية وصوتية وحسية تظافرت على الخشبة لترسم ملامح أخرى للصراع والألم حيث حضرت الكوريغرافيا بإمضاء عبد القادر دريحلي والسينما عبر شريط السينمائي بإمضاء عبد الحميد بوشناق ورامي جربوعي والمسرح من خلال الاخراج الركحي لوليد الدغسني.
وفي العرض أيضا مرفقات صوتية بإمضاء كريم ثليبي تستحضر الألم والوجع وتروي حكاية أم ابتلع البحر ابنها فما عادت دموعها تستجيب لحرقتها وتؤدي دورها في الشريط السينمائي الممثلة فوزية بدر التي وظّفت تعبيراتها ونظراتها لتستنطق المأساة.
تأويلات نفسية مختلفة ظهرت خلال العرض الذي يشكّل حالة درامية بمضامين جمالية تخاطب العقل والعاطفة وتنفذ إلى العمق الإنساني في إطار صراعه مع جسده وارثه المنهك بالوجع.
وعلى نسق موسيقى الاركستر السمفوني التونسي بقيادة المايسترو محمد بوسلامة ، و بحضور الفنانين: ناي البرغوثي وزياد الزواري وهيثم الحذيري ومحمد علي شبيل وحسين بن ميلود وهادي فاهم وصابر رضواني وسيرين هرابي وحمدي الجموسي ونصر الدين الشبلي،و اصوات اوبرا تونس اتخذ العرض أبعاد سيكولوجية توغل في الدواخل وتقحم المشاهد في الحكاية.
وكما عنوانه، يتيح العرض تخيلات لا متناهية وينفتح على تأويلات واحتمالات كثيرة استنادا إلى قراءة موسيقية متطورة ومعاصرة، تنبع من جماليات الموروث الموسيقي التونسي لتخلق تجليات تدعو إلى التفكير.
ويقترح "تخيل" وجهة نظر درامية تنقل اللحظات الانفعالية من خلال الاصوات والآلات والأوركسترا والكورال وتحولها إلى طاقة ركحية تغازل كل الحواس وتدغدغ الذكريات وتوغل في دواخل النفس.
وفي العرض الخاص بمهرجان الحمامات الدولي لفتة للملحمة الفلسطينية من خلال ديو بين الفنانة الفلسطينية ناي البرغوثي والفنان التونسي صابر الرضواني حيث التقى الموروث الموسيقي الفلسطيني والتونسي فيما ظهرت صور من المجازرفي الشاشات على الركح قبل أن تتوشح بالراية الفلسطينية.
وهذه السيكودراما الموسيقية توجِد سبلا بين لغة الموسيقى ولغة الجسد وفيها تتعدد العناصر الفنية التي تراوح بين ما هو تسجيلي وماهو حي مباشر ويحدث أن يلتقيا في ذروة الانفعالات.