في قراءة اجتماعية نفسية، ذهبت مسرحية "النفس" بعيدًا في تقديمها لمعاناة السّجناء، أربع مساجين، ثلاث نساء ورجل، عليهم أحكام تتراوح بين مائتي سنة ومؤبد وإعدام. شخصيات منكسرة، تتذكر، تحلم، تتخاصم، تتوادّ،ليست الا مجرّد ارقام في سجلاّت السجن في العالم المظلم، في عزلة عن العالم الخارجي المضيء لم تزدهم قساوة تعامل السجانة معهم الا كرها لبعضهم البعض تارة وتوادد و انسجام تارة اخرى.
ذهبت "النفس" عميقًا بحفرها في نفسيّة السّجينات الثّلاث خاصة في لحظات التّداعي والشّروع في سرد آلامهنّ ومآسيهن وأحزانهنّ وقصص حبّهنّ والشروخ العديدة التي طالتهن وبقيت كأوشام في أرواحهنّ.
بعد أحداث جانفي 2011 ، تطل عليهم السجّانة بخبر صدور عفو على السجينات الثلاث، ولكنهن ترفضن هذا العفو، ترفضن مغادرة السجن، ترفضن الحرية، وتخيّرن الحياة السجنية على الخروج للسجن الأكبر "سجن الحياة " رغم فتح البوابات لم يغريهنّ "نفس" الحرية .
على مدى ساعة ونصف من الزمن عاش الجمهور عبر مسرحية "النفس" قصة معاناة السجينات، وهي عمل من انتاج فرقة مدينة تونس، نص الطاهر الرضواني، اخراج دليلة المفتاحي تمثيل ريم عبروق، وليلى الرزقي، وليلى الطرابلسي، وعبير الصميدي وكمال الكعبي . بعد العرض المسرحي الذي نال اعجاب الجمهور الحاضر باعداد كبيرة و الذي لم يتوقف عن التصفيق لمدة خمس دقائق التقت المخرجة دليلة المفتاحي بمجموعة من الصحافيين و ممثلي وسائل إعلام محلية و أجنبية في ندوة صحفية أكدّت من خلالها أن عرض الحمامات هو الأول أمام الجمهور بعد تجربة عمل في السجون دامت ثلاث سنوات تعايشت فيها مع النزيلات واستوحت العمل من قصص سجينات حقيقيات وجدن أنفسهن وراء القضبان دون إرتكاب جريمة بالمعنى الحقيقي للكلمة ورفضن الخروج من السجن بعد صدور عفو في حقهن كما أضافت أن قصص السجينات بقيت محفورة في ذاكرتها إلى أن جاءت الفرصة لتقترح الفكرة على الكاتب طاهر الرضواني الذي حوّلها لنص مسرحي تحت إشرافها وتبنت مديرة فرقة مدينة تونس السيدة منى نورالدين العمل وتكفلت بإنتاجه رغم الصعوبات المادية التي تمر بها الفرقة.
كما عبّرت دليلة المفتاحي عن فرحتها بنجاح العرض على ركح مسرح الحمامات الذي وصفته بالمسرح الصعب لكن فريق مسرحية "النفس" نجح في كسب الرهان امام الجمهور.