• محمود درويش
لا يظن أي قارئ للشعر العربي أن شاعرا ارتبط مشروعه الإبداعي بجنسيته كما حدث مع محمود درويش، إذ كانت جنسيته الفلسطينية هي علامته الأشهر، ووقود تجربته الشعرية الثائرة دوما، وقد حدث له العديد من المواقف جراء جنسيته، لكن هناك موقفين مميزان للغاية: أولهما أن عائِلته هُجِّرت إلى دولة لِبنان عام ١٩٤٨م مثل الكثير من الأُسر الفلسطينيّة في ذلك الوقت، وكان عُمْر محمود درويش 7 سنوات، إلا أنه لم يمكث في لبنان إلا عاماً واحداً، ثم عاد إلى فلسطين متخفيّاً، واستقر في قرية دير الأسد لفترةٍ صغيرةٍ، ثمّ استقر في قرية الجَديدة، وكان يخشى أن تكتِشفه السُّلطات المحتَّلة فيتمّ تهجيره مرةً أخرى، فعاش من دون جنسيَّة. وبعد أن أنهى دراستَه الثانويَة انتسب إلى الحِزب الشيوعي الإسرائيليّ فقد كان يعمل في صحافة الحِزب، حيث كانت أعمالُه عبارة عن أشعارٍ وكتاباتٍ سياسيَة، ما أدّى إلى اعتقالِه أكثرَ من مرّةٍ من العام ١٩٦١ إلى١٩٧٢، حيث انتقل إلى الاتِّحاد السوفيتي ليُنهي تعليمه، ثم انتقل في العام نفسه إلى مصر، والتحق بمنظمة التَّحرير الفِلسطينيَة، ثم انتقل إلى لبنان، وعمِل هناك في مؤسسات النَّشر والدِّراسة التي تُشرف عليها المنظمة.
وإن كان محمود درويش قد عاش فترة من شبابه دون إثبات جنسية رسمي، فهو في المقابل كان حاملا لجنسيتين لسنوات من حياته حيث منحه الملك عبدالله الثاني الجنسية الأردنية، حين كان يتخذ من عمان مقراً له، وصرح درويش وقتها بسعادته لأن يحمل الجنسيتين الأردنية والفلسطينية معا، وأنه يعتبر الشعبين الفلسطيني والأردني توأمين.
• الجواهري والبياتي
محمد مهدي الجواهري، وعبد الوهاب البياتي شاعرا العراق الكبيران فقدا جنسيتيهما العراقيتين لنفس السبب، وهو أن الشاعرين الكبيرين اشتركا في مهرجان ثقافي تقيمه المملكة العربية السعودية، وكانت العلاقات وقتها بين البلدين (العراق والسعودية) ليست على ما يرام، بسبب موقف السعودية المشرِّف من حرب الخليج وقتها.
ولم يكن موقفهما صادما، أو مباغتا، فقد كانا ضمن مبدعين كثيرين ليسوا على وفاق مع النظام العراقي الذي كان على رأسه الرئيس السابق صدام حسين، وكان العديد من المبدعين والمثقفين العراقيين يعيشون في المنافي الأوروبية والأمريكية منذ أواسط السبعينيات.
وعاش الجواهري لاجئا بمصر، أوائل الخمسينيات، ثم انتقل إلى سوريا، ومنها إلى العراق الذي عاد إليه عودة الأبطال، وما هي إلا أعوام قليلة حتى تغير النظام واشتعلت الحرب الأهلية، فآثر الجواهري حياة المنفى. [البياتي]
وكذلك البياتي الذي ظل يتنقل منذ أواسط الخمسينيات بين دمشق والقاهرة، وموسكو، وبيروت، وعمان، حتى مدريد التي قضى فيها سنوات عدة في المركز الثقافي العراقي، لم تكن هي أيضا إلا منفى اختياريا.
• محمد بن فطيس المري
حقق الشاعر القطري، سابقا، محمد بن فطيس المري، انتشارا استثنائيا عبر برنامج "شاعر المليون" الذي شارك في نسخته الأولى عام 2007، وحصد اللقب، بعد أن طبع صورته في قلوب الناس التي تتداول أبياته بعد ظهوره في كل حلقة، وبعد هذه المشاركة صار مطلباً ملحاً لجمهور الشعر في المهرجانات الإقليمية، حيث شارك في "أمسيات فبراير" بالكويت عام 2009، وأمسيات ملتقى الشعر النبطي في دبي عامي 2009 و2010.
وكان اسمه قد برز في الأزمة السياسية الأخيرة بين الدول الأربع وقطر، وسجل موقفاً أخلاقياً نبيلاً دفع سلطات الدوحة لسحب جنسيته، حيث اتهمته بمساندة السعودية بعد أن قال في تسجيل فيديو: "إذا كان التطاول على الأوطان خطا أحمر فإن التطاول على المقدسات وخادم الحرمين الشريفين والعلماء خط من نار، لا نسمح بتجاوزه أو التعدي عليه".
• بيرم التونسي وفؤاد حداد
من الطريف أن يكون صاحبا المحطتين الأبرز في شعر العامية المصرية، ليسا مصريي الجذور، فبيرم التونسي صدر أمر بنفيه أكثر من مرة، في عهد الملك فؤاد، وفي إحدى هذه المرات، تم نفيه إلى تونس، لكنه لم يستطع البقاء بها-رغم أن أصوله فيها-، وغادر إلى فرنسا، ثم استطاع الدخول بعدها إلى مصر.
كل هذا، ولم يكن بيرم قد حصل على الجنسية المصرية بعد، وفي عام 1952 قامت ثورة يوليو، وكان من مؤيديها بقوة، وفي عام 1954 تم منحه الجنسية المصرية، وبعدها عمل بمؤسسة الأهرام، ومنحه الرئيس جمال عبد الناصر جائزة الدولة عام 1960.
أما فؤاد حداد، فكان من الطريف أن يكون صاحب المنجز الأكبر من أشعار العامية المصرية، مولودا لأب لبناني بروتستانتي وأم سورية كاثوليكية، تخرج والده من الجامعة الأمريكية متخصصا فى الرياضيات المالية، وجاء إلى القاهرة وعمل مدرسا فى جامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة)، والدته من مواليد القاهرة لأبوين من حلب السورية، وتعلم فؤاد حداد في مدرسة الفرير ثم مدرسة الليسيه الفرنسيتين، ويعد من رواد القصيدة العامية المصرية.
واعتُقِلَ فؤاد حداد عام ١٩٥٣ لأسباب سياسية، وفي المعتقل تحول إلى الإسلام، وخرج ليتحول إلى شعر العامية. واشتهر بـ "المسحراتي" التي كتبها وغناها سيد مكاوي عام ١٩٦٤، لكن إنتاجه كان غزيرا بين الأعمال الشعرية والترجمة عن الفرنسية.