كيف تقود كارولين فتّال رئيسة مجلس إدارة مجموعة فتّال إرث الشركة العائلية؟

ذانيوز أونلاين// نجحت نحو 30% فقط من الشركات العائلية نجحت في تسليم قيادتها إلى الجيل الثاني، و%12 منها إلى الجيل الثالث، و3% إلى الجيل الرابع، وفقًا لأرقام معهد الشركات العائلية في إحصاءات مكررة.

وتعد كارولين فتّال، رئيسة مجلس إدارة مجموعة فتّال، ومؤسسة جمعية (Stand For Women) وأحد أفراد الجيل الرابع في عائلتها، ممن تمكنوا من تسلم دفة قيادة الشركة العائلية التي يعود تاريخ تأسيسها إلى قبل 127 عامًا.

تؤكد بالقول: "إننا نخالف الإحصائيات". وبوصفها أول امرأة ترأس المجموعة، فهي مكلفة أيضًا بضمان تحول المجموعة من أجل البقاء واستمرارية الأعمال.

 

مسيرة مجموعة فتّال

أسست مجموعة فتّال، ومقرها بيروت، باسم "خليل فتّال وأولاده" على يد الجد الأكبر خليل فارس فتّال في عام 1897 بدمشق، عندما كانت تحت حكم الإمبراطورية العثمانية، وقبل إنشاء دولة لبنان الحديثة.

في ذلك الوقت، مثّلت الشركة بعض العلامات التجارية الصغيرة. واليوم، تعد المجموعة موزعًا لعلامات تجارية عالمية، وتعمل بشكل مباشر وغير مباشر في قطاعات: السلع الاستهلاكية سريعة التداول، والرعاية الصحية، ومنتجات التجميل والسلع الفاخرة، والأجهزة المنزلية، والمعدات المكتبية والإلكترونيات، في جميع أنحاء أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا.

ولدى المجموعة شركتان تابعتان: شركة (Excel Logistics) للخدمات اللوجستية، والشركة الجديدة للتجارة والصناعة لتصنيع منتجات العناية الشخصية والمنزلية.

كما تعمل في 15 دولة وتوظف أكثر من 3 آلاف شخص، ولديها 500 مورد و35 ألف عميل ومستودعات تبلغ مساحتها 100 ألف متر مربع. كذلك شملت شراكاتها علامات تجارية مثل: يونيليفر، وريكيت، وموندليز، وفايزر، ونوفارتس، وساندوز، وكوتي، وكلارنس، وانتربرفومز.

عملت المجموعة في مجال التوزيع لفترة طويلة، قبل التوسع إلى مجال البيع بالتجزئة والتصنيع في بلدان أخرى. وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، استثمرت في سلسلة متاجر التجزئة كوزمتيكا (Cosmeticca) ومقرها العراق. وفي يوليو/ تموز 2021، استحوذت على علامة مستحضرات التجميل (CYBELE) ومقرها مصر، التي تصنّع منتجاتها محليًا. توضح فتّال: "مصر الآن بحاجة ماسة إلى المنتجات المُصنعة محليًا، لذا نأمل من خلال (CYBELE) التوسع بشكل أكبر في السوق المصرية".

 

مواجهة الأزمات والتحديات

مع ذلك، وبتاريخ مشابه لتاريخ لبنان، فقد شهدت مجموعة فتّال العديد من التقلبات، حيث نجت من الحروب والأزمات الاقتصادية ومواجهة الخسائر. وخلال الحرب العالمية الأولى، قرر خليل فتّال، إرسال ابنيه جان وميشيل إلى النمسا، لإكمال دراستهما هناك، وخوفًا من التجنيد الإجباري.

عاد الشقيقان إلى دمشق عام 1918 مع انتهاء الحرب لتطوير شركة والدهما، واستيراد البضائع، وحصلا على أول عقد تمثيل حصري للشركة في المنطقة. وفي عام 1926، أنشأ جان فرعًا في بيروت، واستمر الأخوان في التعاون مع العلامات التجارية، فحصلا على حقوق توزيعها الحصرية في سوريا ولبنان.

ازدهرت المجموعة خلال خمسينات وستينات القرن الماضي، وافتتحت مقرًا جديدًا في بيروت. وفي عام 1965، أغلقت الحكومة مكاتبها في سوريا بسبب التأميم، مما دفع المجموعة إلى تسيير أعمالها في لبنان فقط. في ذلك الوقت، انضم الجيل الثالث إلى الشركة، واستمرت في التطور والنمو حتى عام 1975 عندما اندلعت الحرب الأهلية اللبنانية ودمرت مقر الشركة. في عام 1986، أنشئت فتّال القابضة، ثم في عام 2000، توسعت إلى الدول المجاورة، كمصر والأردن.

 

انضمام كارولين فتّال إلى شركة العائلة

في حين انضمت كارولين فتّال إلى شركة العائلة في عام 2001، بوصفها أول فرد من الجيل الرابع، مع خبرة تزيد عن 10 سنوات في مجال الأعمال التجارية حول العالم، بعيدًا عن أعمال المجموعة.

حيث بدأت حياتها المهنية في عام 1993 مع شركة يونيليفر في باريس، كمديرة للعلامة التجارية لقسم منتجات سوائل ومساحيق غسيل الأطباق. 

انتقلت بعد ذلك إلى الأرجنتين وترقت في المناصب لتصبح مديرة التسويق لواحدة من أكبر العلامات التجارية لشركة يونيليفر في الدولة، وهي علامة منظفات الغسيل (Ala) قبل أن تعود إلى لبنان مديرة لمبيعات مكتب الشركة الذي أنشئ حديثًا في بيروت.

في عام 2001، عندما بلغت من العمر 30 عامًا، انضمت فتّال إلى شركة العائلة بمنصب مساعدة المدير العام لقسم الأغذية والمشروبات.

واستجابة لطلب عمها الراحل برنار فتّال، الذي كان يشغل منصب الرئيس التنفيذي للشركة في ذلك الوقت، والذي رأى أن تجربتها خارج المجموعة ستضيف قيمة إلى الأعمال.

في عام 2009، قادت عمليات المجموعة كلها بوصفها مديرة للعمليات. ومنذ عام 2014، قادت عملية التحول في العراق التي تركزت على تبسيط العمليات وتحسين المبيعات والتغطية.

وفي عام 2020، تركت فتّال منصبها الإداري لتنضم إلى مجلس الإدارة بوصفها عضوة غير تنفيذية.

أسست حينها أيضًا منظمتها غير الحكومية الخاصة بها، لدعم المؤسسات في تعزيز التنوع، والدعوة إلى التمكين الاقتصادي للمرأة، والاعتراف بأهمية تعزيز مكانة المرأة في مكان العمل.

تستذكر فتّال بالقول: "عندما بدأت مسيرتي المهنية، كنت المرأة الوحيدة بين 30 رجلًا. لكنني لم أدرك أن الأمر غريب، لأني اعتدت مثل هذا الأمر بشكل يومي".

ولم تدرك وجود المشكلة إلا في عام 2010، عندما التقت بينينا طومسون، المدافعة عن حقوق المرأة ومؤلفة كتاب (A Woman's Place is in the Boardroom).

شرحت طومسون الإحصائيات العالمية لفتّال، فأدركت أن هناك خطأ ما في الصورة. تقول: "لقد فتحت عيني على الحقيقة".

 

تقديم الدعم لرائدات الأعمال

في عام 2017، أنشأت فتّال جمعية (Stand For Women) التي تقدم الدعم للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تقودها النساء، لمساعدتهن على تحقيق النجاح.

وتوفر الجمعية التدريب وورش العمل لرائدات الأعمال وموظفات الشركات، بالإضافة إلى تعليم الشباب عن التنوع بين الجنسين في جميع أنحاء الشرق الأوسط وأفريقيا.

في عام 2020، بعد انفجار مرفأ بيروت، أطلقت الجمعية "صندوق ماريون" الذي ساعد أكثر من 250 شركة صغيرة ومتوسطة مملوكة لسيدات، وتأثرت بالانفجار، على العودة ومواصلة أعمالها.

في الوقت الحالي، تعمل (Stand For Women) وهي منظمة غير حكومية، على برنامج أطلقته في يناير/ كانون الثاني 2024 بالتعاون مع منظمتين غير حكوميتين (Alissar) و(La Guilde) لدعم السيدات في منطقة عكار، إحدى أكثر المناطق انعزالًا في لبنان، ومساعدتهن في بدء مشاريعهن الخاصة في مجال إنتاج الأغذية الزراعية والحرف اليدوية والخياطة.

وقد تلقى المشروع أكثر من 500 طلب، وقدم الدعم إلى 40 امرأة. وحتى مارس/ آذار 2024، من خلال جمعية (Stand For Women) شاركت أكثر من 270 شركة صغيرة ومتوسطة مملوكة لنساء في ورش عمل تغطي مجالات: التسويق الرقمي، والتجارة الإلكترونية، وتطوير الأعمال، وبناء القدرات، وإدارة الأزمات، بالتعاون مع غوغل، والمعهد السويدي (Swedish Institute) ومؤسسة (Berytech) وآخرين.

 

مرحلة من التحول

فيما تولت فتّال منصبها الحالي في المجموعة بشكل غير متوقع في أبريل/ نيسان 2022، بعد الوفاة المفاجئة لابن عمها هوبرت فتّال في مارس/ آذار 2022، الذي كان رئيس مجلس الإدارة والمدير العام للمجموعة في ذلك الوقت.

توضح: "أعتقد أن اختياري لرئاسة مجلس الإدارة، كان استجابة لمرحلة التحول المهمة التي تمر بها الشركة.

وأظن أن لدي المهارات اللازمة لدعم هذا التحول على مستوى المجلس".

وقد أشارت إلى أن تجربتها خارج المجموعة منحتها الأسس اللازمة للقيادة بكفاءة، حيث توضح: "كان مهمًا لي الحصول على الخبرة، وتعلم كيفية العمل في شركات أخرى قبل الانضمام إلى شركتنا العائلية، إذ منحني معيارًا لتقييم قدراتي في القيادة، وأظهر لي النقاط التي أحتاج إلى تطويرها".

يُذكر أن التغييرات التي شهدتها المجموعة كانت على مستوى الإدارة بشكل رئيسي. فبعد وفاة هوبرت، قررت عائلة فتّال تنفيذ تغييرات هيكلية في الإدارة، من حيث تقسيم الأدوار القيادية لأول مرة، وتعيين رئيس تنفيذي ذو خبرة من خارج العائلة لتولي الجانب التنفيذي للأعمال. في الوقت نفسه، جعل منصب رئيس المجلس دورًا غير تنفيذي يُمنح لأحد أفراد العائلة.

ثم بحلول يوليو/ تموز 2023، عّينت مجموعة فتّال رئـيـساً تنفيذياً من خارج العائلة، وهو سامي درعوني، الذي عمل سابقاً مع بيبسيكو، وكرافت فودس، ومارس.

يقول: "يسرني أن أكون جزءًا من الفريق التنفيذي ومجلس الإدارة في مجموعة فتّال، خلال هذه الرحلة التحولية.

إنها شركة ذات مكانة عالية، وقد شهدت نموًا قويًا مدفوعًا بروح ريادة الأعمال لدى العائلة، على الرغم من التحديات الهائلة التي واجهتها على مدار 127 عامًا من تاريخها".

في الوقت ذاته، قررت المجموعة تعيين 3 مستشارين مستقلين من خارج العائلة لمجلس إدارتها، يتمتعون بالخبرة والكفاءة المهنية التي شعرت العائلة بأنها ضرورية لمجلس الإدارة.

كما أنشأ المجلس 3 لجان للعمل بشكل وثيق مع إدارة المجموعة، تركز على الاستراتيجيات والاستثمارات، والتدقيق وإدارة المخاطر، والمكافآت والترشيحات.

توضح فتّال: "حرصت أيضًا على أن يكون مجلس إدارتنا مكونًا من %50 من النساء و%50 من الرجال".

وهذا ما يميز مجموعة فتّال. ووفقًا لاستطلاع أجرته شركة (PwC) عام 2023، فإن %72 من الشركات العائلية في الشرق الأوسط تضم أعضاء من خارج العائلة في مجالس إدارتها، لكن %59 منها لا تشمل سيدات في مجالس الإدارة، مقارنة بـ%31 عالميًا. 

"يمكن للرؤساء التنفيذيين من خارج العائلة تقديم وجهات نظر جديدة، ومجموعة من المهارات المتنوعة التي قد لا تتوافر داخل العائلة".

تقول وشيكة سهيم عميدة كلية دبي للأعمال وأستاذة في مجال الإدارة: "إنهم يأتون بخبرات من خارج منظومة الشركات العائلية، يمكن أن تكون ذات قيمة كبيرة في مواجهة التحديات المعقدة، وتعزيز الابتكار، ودفع النمو المستدام.

كما أن إدراج المهنيين الأكفاء في الأدوار القيادية يسهم في تعزيز مكانة الشركة على مستوى الأعمال، بما يضمن أن قرارات العمل تتخذ بناء على ديناميكيات السوق والاستراتيجيات التنافسية وأفضل الممارسات، بدلًا من الاعتبارات العائلية فقط".

ترى فتّال أن هذا كان تحديًا واجهته منذ اليوم الأول لتوليها هذا الدور. تستذكر بالقول:"في فترة الحزن والخسارة، كان أحد التحديات هو التحلي بالحكمة واتخاذ قرار بالمضي قدمًا في هذا التحول على مستوى القيادة.

لا يمكنك تغيير شركة عائلية يزيد تاريخها عن 125 عامًا بين عشية وضحاها.

عدا عن أن التحدي الآخر، كان في تولي رئاسة شركة عندما كان لبنان يمر بما وصفه البنك الدولي كإحدى أسوأ 10 أزمات اقتصادية على مستوى العالم منذ القرن التاسع عشر”.

منذ عام 2020، وبالإضافة إلى التأثير المدمر للجائحة العالمية وانفجار مرفأ بيروت، يواجه الاقتصاد اللبناني أزمة غير مسبوقة في العملة السيادية، وفقًا لتقرير صندوق النقد الدولي لعام 2023.

حيث انكمش اقتصاد البلاد بنحو %40، في الفترة بين عامي 2019 و 2022، وفقدت الليرة اللبنانية %98 من قيمتها في السوق الموازي، كما سجل لبنان معدل تضخم ثلاثي الأرقام، وخسر البنك المركزي ثلثي احتياطاته من النقد الأجنبي.

ووفقًا لفتّال، تمكنت المجموعة من تجاوز هذه الفترات الصعبة بفضل فريقها المؤلف من 3 آلاف شخص. تضيف: "لقد نجحنا في استعادة النمو بنسبة مزدوجة، وهو أمر ليس سهلًا في هذا السياق الإقليمي، لا سيما في وقت تواجه فيه لبنان مثل هذه التحديات. ونجحنا أيضًا في الحفاظ على الربحية، عدا عن تحسينها".

في حين تعتقد فتّال أن جهود المسؤولية الاجتماعية للشركات، كان لها دور رئيسي في الحفاظ على التزام موظفيها بعملهم. تقول: "إننا نؤدي عملًا جيدًا من خلال فعل الخير".

وتشمل جهودها في مجال المسؤولية الاجتماعية للشركات، توفير الدعم لرعاية الصحة العقلية للموظفين مرتين أسبوعيًا، ومساعدتهم في الادخار من خلال خطط مالية، وتعليم الشباب. ومن الناحية البيئية، تشارك المجموعة في مشاريع إعادة التدوير وإعادة التشجير.

في عام 2023، عملت المجموعة على إعادة تدوير 73,730 كغم من الورق والكرتون، و410 كغم من البلاستيك، و7,600 كغم من النايلون، بالإضافة إلى تركيب الألواح الشمسية في جميع مبانيها، مما أدى إلى انخفاض انبعاثات الكربون الناتجة عن أعمالها بنسبة %15 تقريبًا.

تملك المجموعة أيضًا منظمة غير حكومية تسمى مؤسسة سيدة الأمل للتعليم والتدريس ( Lady of Hope Foundation for Education and Teaching) وتقدم أكثر من 800 منحة دراسية للطلاب المحتاجين.

اليوم، ترى فتّال أنها وصيّة على الإرث الذي ورثته، إلى حين تسليم دفة القيادة للجيل القادم. ومع إرساء الشركة العائلية العريقة أسسًا قوية وحديثة للأعمال، تركز فتّال على إشراك وتمكين وتشجيع من حولها.

تقول: "إنه تطور تدريجي، وليس ثورة مفاجئة. وأنا اليوم في مرحلة من حياتي أرغب بتكريسها في تقديم الدعم ورد العطاء".