قبل ظهور فيروس كورونا المستجدّ، وُصف عام 2020 بأنه عام محوري لخطة البشرية لتفادي تبعات الاحتباس الحراري الكارثي، مع التخطيط لعقد قمم رفيعة المستوى للتعاطي مع موجة من القلق العام بشأن مستقبل الكوكب.
ربما حوّلت أزمة فيروس كورونا ملف المناخ إلى الهامش حيث أطلقت الدول عمليات إغلاق غير مسبوقة لمحاولة إبطاء انتشاره، لكن غوتيريش أكّد أنّ الحاجة إلى العمل بشأن المناخ أصبحت أكثر إلحاحا من أي وقت مضى.
وفي تقييم لاذع للاستجابة الدولية، قال غوتيريش إن الوباء يجب أن يزيد من تركيز الحكومات على خفض الانبعاثات، وحثها على استخدام الأزمة كنقطة انطلاق لإطلاق سياسات "تحويلية" تهدف إلى ثني المجتمعات عن استهلاك الوقود الأحفوري.
وقال "أعتقد أن الفشل الذي ظهر في القدرة على احتواء انتشار الفيروس - من خلال حقيقة أنه لم يكن هناك تنسيق دولي كاف في الطريقة التي تم بها مكافحة الفيروس - هذا الفشل يجب أن يجعل الدول تدرك أنها بحاجة إلى تغيير مسارها".
وتابع "أنهم بحاجة إلى العمل معًا فيما يتعلق بتهديد المناخ الذي يمثل تهديدًا أكبر بكثير من تهديد الوباء بحد ذاته. إنه تهديد وجودي لكوكبنا وحياتنا."
وقال الأمين العام إنه يجب فرض ضرائب على "التلوث وليس البشر" قدر الإمكان.
ودعا الدول إلى إنهاء دعم الوقود الأحفوري، وإطلاق استثمارات ضخمة في مصادر الطاقة المتجددة والالتزام بـ "الحياد الكربوني"، صافي صفري للانبعاثات، بحلول عام 2050.
وأوضح "نحن بحاجة إلى عدد من الإجراءات التحويلية في ما يتعلق بالطاقة والنقل والزراعة والصناعة وبطريقتنا في الحياة والتي بدونها سيكون محكوم علينا بالهلاك".
وتأتي تعليقاته في الوقت الذي يدخل فيه اتفاق باريس التاريخي بشأن المناخ حيز التنفيذ هذا العام في مسعى للحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى "أقل بكثير" من درجتين مئويتين (3.6 فهرنهايت) فوق مستويات ما قبل عصر الصناعة.
كان الاتفاق بالفعل على حافة الهاوية قبل الوباء، مع شكوك بشأن التزامات دول ملوثة رئيسية ومخاوف من أنه لا يزال أقل بكثير مما يقول العلم أنه ضروري لتجنب التغيير الكارثي في المناخ.
صدم الرئيس الأميركي دونالد ترامب العالم في العام 2017 عندما أعلن أنّ الولايات المتحدة، أكبر مصدر للانبعاثات في التاريخ، ستنسحب من اتفاق باريس.
ومن المقرر أن تنسحب فعليا في 4 تشرين الثاني/نوفمبر، بعد الانتخابات الرئاسية في البلاد.
وأدى الوباء إلى تقليل الآمال أكثر أن تجتاح ضغوط دبلوماسية الدول التي تتباطأ في الإعلان عن خطط عمل مناخية جريئة، مع تأجيل القمم الرئيسية وتركيز الدول على الداخل.
وقال إنه لا توجد حاليًا أي إشارة واضحة على أن سياسة التعافي التي تتبعها الحكومة الأميركي سوف تتماشى مع أهداف باريس، لكنه أعرب عن أمله في أن تعوض الدول والشركات والأفراد الافتقار إلى الالتزام السياسي الموجود راهنا.
وقال غوتيريش إن الكثير يعتمد الآن على تصرفات كبار المسؤولين عن الانبعاثات، الصين والولايات المتحدة وأوروبا وروسيا والهند واليابان، وذلك في مقابلات مع وكالة فرانس برس وأعضاء آخرين في تحالف "تغطية المناخ الآن"، وهو تعاون عالمي لمنافذ إخبارية ملتزمة بزيادة التغطية المناخية.
وأضاف "لم نكن أبدا من الهشاشة كما نحن الآن، ولم نحتاج أبدًا إلى هذا القدر من التواضع والوحدة والتضامن كما هو الحال الآن"، منتقدًا "المظاهرات غير العقلانية لكراهية الأجانب" وتنامي المشاعر القومية. وأضاف قبل انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في شكل افتراضي هذا الشهر "إما نتحد، أو سنهلك".
ولم تعد التحذيرات من تغير المناخ تعتبر تنبؤات بمستقبل بعيد. فمتوسط درجة حرارة الأرض ارتفع بمقدار درجة مئوية واحدة منذ القرن التاسع عشر، وهو ما يكفي لزيادة شدة الجفاف وموجات الحرارة والأعاصير المدارية. ويعد حرق الوقود الأحفوري إلى حد بعيد الدافع الرئيسي لارتفاع درجات الحرارة، مع تركيزات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي الآن عند أعلى مستوياتها منذ حوالي ثلاثة ملايين سنة.
كانت السنوات الخمس الماضية هي الأكثر حرارة على الإطلاق، فيما تذوب الصفائح الجليدية بمعدل يماثل أسوأ سيناريوهات العلماء، ما قد يؤدي إلى ارتفاعات مدمرة في مستوى سطح البحر.
وقال غوتيريش قبل صدور تقرير حول المناخ من عدة هيئات الاربعاء إنّ "التوقعات التي لدينا فيما يتعلق بالسنوات الخمس المقبلة بشأن العواصف والجفاف والآثار الدراماتيكية الأخرى على الظروف المعيشية لكثير من الناس حول العالم رهيبة للغاية". وتابع "حان وقت الاستيقاظ".
تقول الأمم المتحدة إنه لا يزال من الممكن الوصول إلى هدف أكثر أمانا يتمثل في وضع حد أقصى لارتفاع درجة الحرارة بمقدار 1,5 درجة مئوية، ولكن لتحقيق ذلك، يجب أن تنخفض الانبعاثات العالمية بنسبة 7,6% سنويا هذا العقد.
في حين أن عمليات الإغلاق التي تم تنفيذها أثناء الوباء يمكن أن تقلل من الانبعاثات العالمية بنسبة تصل إلى ثمانية بالمئة في 2020، حذر العلماء من أنه بدون تغيير منهجي، سيكون هذا الانخفاض بلا معنى بشكل أساسي.
وهناك مخاوف من أن حزم التحفيز الضخمة لـ كوفيد-19 التي أطلقتها الحكومات يمكن أن توفر دعامة للصناعات الملوثة.
وحضّ غوتيريش اليابان والهند والصين لتقليل اعتمادهم المستمر على الفحم الملوث بشدة. والصين، أكبر ملوث في العالم، استثمرت بكثافة في الطاقة المتجددة، لكنها عززت أخيرا من إنتاج الفحم حسب تقارير.
وأعرب غوتيريش عن أمله في أن يلبي الاتحاد الأوروبي التزاماته في مجال البيئة بخصوص الانبعاثات، بعدما أعلن حزمة التحفيز البالغة 750 مليار يورو (885 مليار دولار) الرامية جزئيا للوصول لأهداف الحياد الكربوني. وأشار إلى أنّ الجائحة أظهرت قدرة المجتمعات على التكيف مع التحول المنشود.
وصرّح "لا أريد أن أعود إلى عالم حيث يتم التشكيك في التنوع البيولوجي إلى عالم يتلقى فيه الوقود الأحفوري إعانات أكثر من مصادر الطاقة المتجددة أو إلى عالم يجعل عدم المساواة المجتمعات أقل تماسكًا وتخلق عدم استقرار وغضب وإحباط".
وتابع "أعتقد أننا بحاجة إلى عالم مختلف، عالم طبيعي مختلف ولدينا فرصة للقيام بذلك".