الخريف هو الوقت الذي تنضج فيه الأفكار في بيئة من الصفاء والتأمل. ومع ذلك ، فهو أيضاً وقت الكآبة. فقد أظهرت العديد من الدراسات العلمية العلاقة الوثيقة بين الضوء والمزاج وفي الواقع يقدر أن نصف السكان البالغين في المدن الكبيرة يشعرون بانخفاض في طاقتهم مع وصول الخريف، بالإضافة إلى فقدان الاهتمام بالأنشطة الاجتماعية عندما يؤثر على الأداء الطبيعي لحياتنا، فإنه يسمى الاضطراب العاطفي الموسمي (SAD) ويتميز بحالة من الخمول أو حتى الاكتئاب وأظهرت دراسة أجراها معهد بيكر للأبحاث في أستراليا أن الحد من رؤية الشمس وعدم الاستمتاع بأشعتها يؤثر على كثير من الناس في إنتاج هرمون السيروتونين الذي يساعد في تنظيم النوم واليقظة والساعة البيولوجية. فهذا التباطؤ الذي يغير عدداً كبيراً من الناس يتم تخفيفه أثناء تكيفنا مع الحد من تغيرات الطقس والضوء ولتسريع هذا التأقلم، هناك عدد من التدابير التي من شأنها أن تساعدنا على محاربة نسمات الخريف أو حزن الخريف.
بالإضافة إلى الاستفادة القصوى من لحظات أشعة الشمس في الخارج، بالإضافة إلى تجنب البيئات المظلمة باستخدام الضوء الاصطناعي، فإن المبدأ التوجيهي الآخر هو زيادة النشاط البدني، وتحديداً لرفع مستويات السيروتونين. إلى جانب هذين الأسلوبين اﻹجرائيين، فإن أفضل طريقة لتناسب المحطة الحالية هي تكوين صداقات واحتضان التأمل من وجهة نظر إيجابية، فالأمر لا يتعلق بعزل نفسك عن العالم، بل يتعلق بنظرتك إلى فصل الخريف ومشاركة حسك وروحك الإيجابية مع الآخرين. ومن الأمثلة الرائعة على هذه الروح الخريفية العميقة -على الرغم من سحر الشتاء- الفيلم الوثائقي الذي قام ببطولته مؤخراً ريويتشي ساكاموتو بعنوان Coda بعد أن تم تشخيصه بمرض خطير، يشارك الملحن الياباني حميمية منزله ومشاريعه الفنية، مثل إنقاذ بيانو في فوكوشيما بعد كارثة تسونامي، بالإضافة إلى استرجاع مهنته الموسيقية.
هذا الفلاش باك هو نشاط خريفي عادة في الأيام الأخيرة من العام ويدعو الشتاء إلى مشاريع جديدة ومستقبلية، إنه وقت التجديد، تماماً كما الخريف هو موسم الذاكرة وهذا يذكرنا برواية ذاكرة الجسد للأديبة والروائية الجزائرية أحلام مستغانمي.
يقول الكاتب فيكتور هوغو: «الحزن هو سعادة الحزن»، والحقيقة هي أن «إجازات الخريف» التي نجمعها في هذا الوقت يمكن أن توفر لنا السعادة مع الفهم والامتنان لما عشناه. طالما أنها لا تصبح عادة تشغل حيزنا العقلي بأكمله، كما في حالة شخص ما محاصر في حيز زمني من خلال سفره إلى الذكريات الجامدة، فإن الحزن يعطينا تقديراً أكبر للحظات التي عاشها البعض منا فقط، الآن نحن قادرون على التقدير بكل عظمته ولقد حان الوقت لرؤية الصور القديمة ووضع الأغاني التي لديها القدرة على جعلنا نسترجع تلك الحلقات والذكريات الماضية عندما لا تصبح جارحة أو مزمنة، إنها حالة ذهنية توقظ الذاكرة وتتيح لنا التعرف على أفضل ما في الحياة.
ومع ذلك، هناك موقفان ممكنان من هذا الإحياء الكآبة السلبية تجعلنا نبقى راسخين في الذاكرة والحنين إلى الماضي، دون الذهاب إلى أبعد من ذلك ويمكننا تثبيت ذلك في الوعي الضائع من الأوقات الجيدة التي لن تعود لذلك هو مرور إلى الحزن والجمود، على العكس من ذلك يستخدم الحزن النشط كنوز الماضي وأوراق الصيف الميتة، كنقطة انطلاق للسعادة في المستقبل، إنه يذكرنا بأنه يمكننا إعادة إنشاء لحظات من هذا الجمال، طالما أننا نلزم أنفسنا بأن نعيش بنشاط حاضر، ونزرع بذور الذكريات الجيدة للمستقبل كل يوم.