عالم الصحة

لماذا نشعر بالحزن والإعياء في الشتاء .. دراسة توضح كيف تعمل أدمغتنا في هذا الفصل

أتشعر في فصل الشتاء بأنك متعب أو أن حالتك المزاجية سيئة أو أنك محبط؟ لست وحدك. كلما كنت تعيش في أقصى الشمال من خط الاستواء، زاد شعورك بشجن الشتاء وزاد تأثرك به. ثمة عوامل كثيرة تجعل الأشخاص يشعرون بالحزن والتعب بل ويزيد وزنهم في فصل الشتاء، لا سيما الأسباب البيولوجية. من بين العوامل المسؤولة التي ثبت ارتباطها بهذه الظاهرة هو السيروتونين.

وحتى نستوعب كيف يسهم في ذلك، يجب أن نفهم ما ناقلات السيروتونين في الأساس. هناك عدة طرق لتعطيل نشاط المواد الكيميائية في المخ. وأي شيء يمنع تعطيلها يطيل مدة نشاط تلك المواد في الدماغ. أي أن أي شيء يعزز عملية التعطيل يقلص من فترة نشاطها في الدماغ. ومن بين الطرق التي يتعطل بها نشاط السيروتونين، إعادة تدويره من خلال بروتين يسمى ناقل السيروتونين.

كلما زاد عدد الناقلات و/أو زادت كفاءة ارتباط السيروتونين بها، زادت سرعة أيض السيروتونين. يسهم السيروتونين في سلوكيات الأكل/التغذية، والحالة المزاجية، والتزاوج، والنوم، والطاقة. وبالتالي، تُعالج الاضطرابات التي توصف بسوء الحالة المزاجية وقلة الطاقة بالأدوية التي تزيد مستويات السيروتونين في الدماغ.

على سبيل المثال، إن مضادات الاكتئاب مثل مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين ومثبطات استرداد السيروتونين والنورأدرنالين الانتقائي ومثبطات الأوكسيداز الأحادي الأمين ومضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات جميعها تزيد من مستويات السيروتونين. تدور آلية العمل الرئيسية لمضادات الاكتئاب تلك حول إبطاء عملية تعطيل السيروتونين إما عن طريق تثبيط الإنزيم الذي يحلله أو إعاقة الناقلات وإعادة امتصاصها. يتقلب أيض السيروتونين حسب التغيرات الموسمية. وهذا ليس مفاجئاً لأن السيروتونين والتريبتوفان والميلاتونين تنتمي إلى الفئة الكيميائية نفسها ألا وهي الإندوليمين.

ضمن أنواع كثيرة، تستجيب تلك المواد الكيميائية للتغيرات الطفيفة المرتبطة بالمواسم. على سبيل المثال، أظهرت دراسة أن ضوء الشمس يغير حركة السيروتونين في الدماغ البشري. وباستخدام تقنية تصوير عصبي انتقائية للغاية، تمكّن الباحثون من قياس كفاءة ناقل السيروتونين في الأشخاص الأصحاء على مدار 4 سنوات. قُسمت فحوصات الدماغ إلى مجموعات وفقاً للموسم الذي أجري فيه الفحص، مع الفصل بين موسمي الخريف والشتاء وموسمي الصيف والربيع. ووجدت الدراسات أن ارتباط ناقلات السيروتونين تختلف عبر الفصول. إذ اكتُشف أن ناقلات السيروتونين كانت أكثر حساسية خلال فصل الشتاء أو الخريف عنها في الربيع والصيف في الكثير من مناطق الدماغ. وتشير النتائج إلى انخفاض كثافة ناقلات السيروتونين مع زيادة مدة التعرض لأشعة الشمس.

بمعنى آخر، يتعطل نشاط السيروتونين في الشتاء أو الخريف بوتيرة أسرع ويكون له تأثير أقصر. أما في الربيع أو الصيف، تكون الناقلات أقل حساسية ما يؤدي إلى بطء إعادة تدوير/تعطيل نشاط السيروتونين وتطول فترة نشاطه في الدماغ. تدعم نتائج الدراسة الموصوفة أعلاه وغيرها التأثيرات الموسمية على كيمياء الدماغ وبالتالي آثارها على الحالة المزاجية، والأكل، والتزاوج، والطاقة. وفي حوالي 1% إلى 6% من الأشخاص، ترقى هذه الآثار إلى الإصابة باضطراب: اضطرابات عاطفية موسمية. وهو اضطراب ينتشر أكثر في الأماكن الجغرافية التي تتميز بشتاء قاسٍ ووجود مرتفعات شاهقة. يُعتبر الاضطراب العاطفي الموسمي نوعاً فرعياً من الاكتئاب السريري الذي يتسم بنوبات اكتئاب شتوية طويلة ومتكررة مع التعافي كلياً منها في فصل الصيف أو الربيع. هل ثمة شيء مختلف في أدمغة الأشخاص الذين يتأثرون بشدة من تأثيرات الشتاء المؤذية على الدماغ؟

بالفعل اكتشفت دراسات قليلة ذلك بالضبط. في دراسة قارنت بين الأشخاص الذين يعانون من الاضطراب العاطفي الموسمي ومتطوعين أصحاء، وجد الباحثون اختلافات دماغية كانوا يتوقعونها. كانت ناقلات السيروتونين أكثر كفاءة في الشتاء عكس الصيف، وكان الفرق أوضح لدى الفريق الذي يعاني من الاضطراب العاطفي الموسمي. علاوة على ذلك، ارتبطت الاختلافات الموسمية في تعطيل نشاط السيروتونين بحدة أعراض الاضطراب العاطفي الموسمي.

كلما زادت حدة الاضطراب، زادت سرعة أيض (تعطيل نشاط) السيروتونين في أدمغتهم في فصل الشتاء. باستخدام طرق الفحص المتقدم، يمكن فحص الأشخاص المعرضين لخطر الاضطراب العاطفي الموسمي بناءً على حساسية ناقلات السيروتونين. وما يزيد من تعقيد الأمر أن ثمة استعدادات جينية تجعل بعض الأفراد أكثر حساسية لشجن الشتاء. يأتي جين ناقلات السيروتونين بصفتين (أليلتين): قصير وطويل. إن الأشخاص الذين يرثون سيروتونين ذا أليل قصيراً لناقل السيروتونين ينفذ لديهم السيروتونين أسرع بمرتين من ذوي الأليل الطويل.

وفي دراسة أجريت على 479 شخصاً على مدار 3 سنوات، اختلفت التأثيرات الموسمية على السيروتونين اعتماداً على النمط الجيني لناقل السيروتونين، قصيراً أم طويلاً. أظهر المشاركون الذين لديهم أليلات أقصر أنهم يعانون من موسمية السيروتونين. وارتبطت موسمية السيروتونين بأعراض الاكتئاب. وبمعنى آخر، كان الأشخاص الذين ورثوا أليلين قصيرين من الأبوين هم الأكثر تأثراً بتغير الموسم، ويتبعهم أولئك الذين ورثوا أليلاً واحداً قصيراً. أما الأشخاص الذين ورثوا أليلين طويلين كانوا الأقل تأثراً بتغير المواسم.

لا يُعزى شجن الشتاء إلى أننا نكون أكثر كسلاً في الشتاء، أو أنه مخصص فقط لضعاف الشخصية. إن كآبة الشتاء نتيجة تغيرات كيميائية معقدة في الدماغ تسبب تغيرات في أفكارنا وعواطفنا وسلوكياتنا حسب الموسم.