على مدى 16 عاما طاردت الشرطة في ألمانيا وفرنسا والنمسا بين عامي "1993 – 2008"، قاتلا متسلسلا ومجرما خطيرا عاث فسادا في مناطق بالدول الثلاث.
هذا القاتل المتسلسل لم يكن يترك في الأماكن العديدة التي اقترف فيها جرائمه أي أدلة يمكن أن تقود إليه عدا الحمض النووي. الحمض النووي أظهر أن هذا القاتل المتسلسل الماكر امرأة وأنها من شرق أوروبا.
بدأت سلسلة هذه الجرائم الغامضة حين عثر في عام 1993 على امرأة تدعى ليزيلوت شلانجر وتبلغ من العمر 62 عاما ميتة خنقا بشريط يستخدم في ربط باقات الزهور في منزلها بمدينة إيدار أوبرشتاين الواقعة غرب ألمانيا.
الشرطة الجنائية الألمانية كانت في حيرة من أمرها. لم تجد أي شهود ولم تستطع تحديد أي مشتبه به. الدليل الوحيد الذي حصلت عليه تمثل في الحمض النووي لامرأة مجهولة وجد على كاس في المنزل. القضية راوحت مكانها ثم أغلق ملفها.
مرت ثماني سنوات، وعثرت الشرطة الالمانية في مارس 2001 على رجل عمره 61 عاما مقتولا في مطبخ منزله بمدينة فرايبورغ. كما في الجريمة الأولى لا شهود ولا متشبه بهم. عثر فقط على حمض نووي لهذه المرأة الغامضة على أحد الأدراج في المطبخ.
بعد خمسة أشهر من هذه الجريمة، عثرت الشرطة على نفس الحمض النووي في حقنة تجتوي على الهروين وجدت مرمية في منطقة غابات بالقرب من مدينة جيرولشتاين بشمال غرب ألمانيا.
الحمض النووي لهذه المرأة المجهولة عثر عليه بعد بضعة أسابيع على بقايا بسكويت في مقطورة كانت تعرضت ليلا للسرقة. توالى نفس الحدث وعثر على هذا الحمض النووي الغامض على مسدس لعبة في أعقاب عملية سطو على تجار فيتناميين للأحجار الكريمة في مدينة أربوا بوسط شرق فرنسا، وفي سيارة مسروقة مهجورة في مدينة هايلبرون بوسط ألمانيا، وفي حمام سباحة عام مهجور في في مدينة نيدرستيتن بجنوب ألمانيا.
في حادثة غريبة زادت من ذهول المحققين، وحيرتهم، أطلق رجل النار من مسدس على شقيقه في 6 مايو 2005. الشرطة عثرت على الحمض النووي للمرأة المجهولة على إحدى الرصاصات القاتلة!
التحقيقات في جميع هذه الجرائم لم تسفر عن أي معلومات عن هذه المرأة تصول وتجول وتفعل ما تشاء من دون أن تترك أي أثر باستثناء حمضها النووي. في المجمل عثر على هذا الحمض النووي الغامض في مسرح 40 جريمة في ثلاثة دول هي ألمانيا والنمسا وفرنسا.
أطلق على هذه المرأة في البداية لقب "بلا وجه"، وبعد مقتل شرطية شابة تدعى ميشيل كيسويتر في أبريل 2007 في مدينة هايلبرون بدأ يطلق عليها اسم "شبح هايلبرون". الشرطية الشابة كانت تتناول الغذاء في سيارة دورية مع زميل لها حين فتح شخصان الباب الخلفي وصعدا إلى السيارة وأطلقا النار من الخلف فقتلا الشرطية وأصابا زميلها بجروح. المهاجمان اختفيا بعد أن حملا معهما أسلحة الشرطيين وأصفادهما.
مجددا عثر على الحمض النووي للمرأة الشبح على المقعد الخلفي لسيارة الشرطة، ووجد أيضا على لوحة قيادة السيارة. أعلنت الشرطة الألمانية عن مكافأة هي الأكبر قيمتها 300 ألف يورو مقابل أي معلومات تقود إلى الجناة.
ارتباك الشرطة بلغ مداه في عام 2009 حين اكتشف الأمن الفرنسي جثة محترقة لرجل لاجئ كان فقد منذ عام 2002. اصطدمت الشرطة بأمر لا يعقل. تبين أن عينات الحمض النووي التي اخذت من جثة الرجل مطابقة للحمض النووي الخاص بالمرأة الشبح! الشرطة بدأت تفكر بطريقة مختلفة هذه المرة لأنها متأكدة من أن الجثة تعود لرجل.
الفضيحة انكشفت وتبين للمحققين أن المرأة التي تتحرك بحرية في ثلاث دول من دون أن يراها أحد، لا وجود لها، وأن الحمض النووي في مسارح الجرائم كان موجودا بالفعل ولكن ليس على الأسطح المشبوهة بل في مسحات القطن التي جمعت بواسطتها العينات!
تبين أن الحمض النووي المجهول يعود إلى امرأة من النمسا كانت تعمل في مصنع بألمانيا لأعواد القطن. المرأة كانت تقوم يدويا بتعبئة أعواد القطن في علب وتغليفها. على الرغم من تعقيم المنتجات إلا أن العملية تقتل البكتيريا والفيروسات ولا تضر بالحمض النووي.
الشرطة في الدول الثلاث وخاصة في ألمانيا وجدت نفسها في موقف محرج للغاية. فيما كان المحققون يطاردون الحمض النووي العالق في أعواد القطن ذاتها التي تستخدمها الشرطة في الدول الثلاث، كان الجناة في 40 جريمة طلقاء لا يبحث عنهم أحد!
الخاتمة تجلت في استياء عام تحول إلى عناوين صارخة في افتتاحيات الصحف الألمانية منها "عار على الشرطة الألمانية"، "نحن محميون من قبل هواة"، الفضيحة على أعواد القطن"، "شبح هايلبرون فوق عود"!