ولفت التلفزيون في سباق تحليله إلى أنّ الرجل لم يخُض حربًا وانتصر فيها، ولم يُقدِم على خطّة إخلاء أوْ فرض السيادة، كما فعل رئيس الوزراء الأسبق أرئيل شارون في العام 2005 عندما انسحب من قطاع غزّة تحت ضربات المقاومة الفلسطينيّة، كما أنّه بحسب التلفزيون، لم يسحب الجيش من منطقةٍ مُحتلّةٍ كما فعل إيهود باراك في العام 2000 عندما أمر الجيش الإسرائيليّ بالعودة إلى الداخل الإسرائيليّ بعد 18 عامًا من احتلال لبنان وتمركزه في جنوب بلاد الأرز، وبالإضافة إلى ذلك، يؤكّد التلفزيون العبريّ، رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت، الذي خسر حرب لبنان الثانية في صيف العام 2006، قام في العام 2007 بتدمير المفاعل النوويّ السوريّ في دير الزور.
وفي هذا السياق، قال المُحلّل والباحِث العسكريّ علي معربوني إنّ مجموعة من آراء أقطاب كيان الاحتلال وخبرائه تدُلّ على النمط المتبدّل الذي بات يتحكَّم بقراراته في ما يرتبط بشنّ الحروب الاستباقية، ذلك أنّ المواجهة الحالية لم تعد محصورة بجبهة واحدة، ولا بقضية واحدة، ففي حين يبدو نتنياهو متحمّسًا لتوجيه ضربة استباقية إلى حزب الله والمقاومة الفلسطينية، فإنه أيضًا يبدو غير متأكّد من بقاء الكيان واستمراره، حين يقول: “سأجتهد لأنْ تبلغ إسرائيل عيد ميلادها المائة، لكن هذا ليس بديهيًا، فالتاريخ يعلّمنا أنّه لم تعمّر دولة للشعب اليهوديّ أكثر من 80 سنة، وهي دولة الحشمونائيم”.
وبرأي المحلل، فإنّ كلام نتنياهو يندرج في الجانب الإيديولوجيّ، وهو انعكاس للأفكار التلمودية، وبمعزل عن صدقه، فإنّه في مكان ما يخدم حالة الصراع، ويقدّم لقوى المقاومة مادّة تحفيزية وتأكيدية في الوقت نفسه لاستمرار حالة المجابهة وتوفير ما يلزمها من الشروط لتحقيق الغَلَبة والانتصار. كلام نتنياهو يؤكّده المؤرّخ الإسرائيليّ بيني موريس، إذْ قال في مقابلةٍ مع صحيفة (هآرتس) العبريّة: “خلال سنوات، سينتصر العرب والمسلمون، ويكون اليهود أقلية في هذه الأرض، إما مُطاردة وإما مقتولة، وصاحب الحظ هو من يستطيع الهرب إلى أمريكا وأوروبا”.
وتابع:” اليوم يوجد من العرب أكثر من اليهود بين البحر (المتوسط) والأردن. هذه الأرض بأكملها ستصير حتمًا دولة واحدة ذات أغلبية عربية”. ويضيف أنّ “إسرائيل لا تزال تدعو نفسها دولة يهودية لكن حكمنا لشعب محتل بلا حقوق ليس وضعًا يمكن أنْ يدوم في القرن الحادي والعشرين، في العالم الحديث. وما أنْ تصبح لهم حقوق فلن تبقى الدولة يهوديّة”.
وعلى أهمية كلام نتنياهو وبيني موريس، يجِب الالتفات إلى أقوال عدد من قادة إسرائيل، والتي تندرج في البعد الواقعي المنطلق من تجاربهم المباشرة، حيث تولى معظمهم مناصب حساسة ومهمة. ويقول رئيس جهاز الشاباك السابق كارمي غيلون: “إنّ استمرار السياسات المتطرّفة ضد المسجد الأقصى سيقود إلى حرب يأجوج ومأجوج ضد الشعب اليهودي، وسيقود إلى خراب إسرائيل”، وهو كلام يؤكّده رئيس جهاز الموساد العاشر، مئير داغان، الذي قال إنَّه يشعر بخطر على ضياع الحلم الصهيوني.
كذلك، يقول روني دانييل، وهو المحلل العسكري في القناة الـ12 بالتلفزيون العبريّ، إنّه غير مطمئن إلى أنّ أولاده سيكون لهم مستقبل في إسرائيل، وأنهم سيغادرونها عاجلاً أم آجلاً. أفراييم هيلفي، رئيس جهاز الموساد السابق، يقول أيضًا: “نحن على أبواب كارثة. إنه ظلام ما قبل الهاوية”. ومن ناحيته، قال الجنرال بالاحتياط يعقوب عميدرور، مستشار الأمن القومي لنتنياهو، وهو يميني الاتجاه، ويُعرف بمتانة علاقته مع الأمريكيين، وله رأي مختلف عن القادة الحاليين بتل أبيب حول مفهوم وجدوى الضربات الاستباقية التي يفكّر فيها قادة إسرائيل، والتي تقوم على توجيه ضربات قاسية، من دون الذهاب إلى مواجهة شاملة، وهو ما يعارضه عميدرور، إذ يقول إنَّ قيادة الدولة العبريّة ارتكبت خطأين استراتيجيين كبيرين، سمحا لحزب الله بأن يتحوّل إلى قوّة ردع، لا بل قوّة إقليمية، ويُضيف إنّ الخطأ الأول كان ترك الحزب يتنامى بعد انسحاب الجيش الإسرائيليّ من لبنان في العام 2000، والخطأ الثاني هو عدم الإصرار على تنفيذ كامل مضمون القرار 1701.
ويقول حرفياً: الآن نمت قوة حزب الله بدرجة في غاية الخطورة. سندفع ثمناً باهظاً للغاية، إذ سمحنا له بامتلاك هذا العدد الكبير من الصواريخ والقذائف الدقيقة التوجيه، فنحن بلد صغير، ولدينا مزايا قليلة للغاية. لذلك، لا يمكننا ارتكاب هذا الخطأ.
نحن الآن في لحظة فاصلة، ويجب أنْ نكون مستعدين لتحمّل كلفة الهجوم الاستباقي إذا اتضح أنَّ حزب الله لديه في الواقع قدرات جديدة لم تكن موجودة لديه في الماضي، ومن شأنها أن تُحدث تحولاً جذريًا في ميزان القوى. وحالما يمتلك هذا الوحش قدرات استثنائية، فسنصبح في مواجهة حاسمة، ولا ينبغي أن نسمح بحدوث ذلك تحت أيّ ظرف”.