عربي ودولي

لماذا طار الغنوشي على عجل إلى إسطنبول؟

في زيارة غير معلنة، وصل رئيس البرلمان التونسي، ورئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي، على عجل إلى العاصمة التركية إسطنبول. الخبر كشفت عنه وكالة الأنباء التركية الرسمية "الأناضول''، ولم يصدر عن مكتب الغنوشي في تونس، بل إن صفحته الرسمية التي توثق نشاطاته أولاً بأول، لم تنشر حتى الساعة (19:46 توقيت تونس) أي خبر أو صور عن الزيارة الخاطفة.

الوكالة التركية قالت في برقية موجزة ''استقبل الرئيس رجب طيب أردوغان، السبت، رئيس البرلمان التونسي راشد الغنوشي في مدينة إسطنبول.

وأفاد مراسل الأناضول بأن الاستقبال جرى في المكتب الرئاسي بقصر دولمه بهتشه؛ حيث عقد الرئيس أردوغان مغلقا مع الغنوشي.'' دون أن تنقل مزيداً من التفاصيل، أو تصريحات للغنوشي حول اللقاء "المغلق". تأتي الزيارة الخاطفة وغير المعلنة، يوماً واحداً، بعد فشل الحبيب الجملي، الذي اقترحته حركة النهضة، رئيساً للحكومة القادمة، في نيل الثقة من مجلس النواب، في جلسة طويلة وعاصفة، ترأسها الغنوشي نفسه، وتحولت إلى جلسة محاكمة لسياسات حركة النهضة من العام 2011 وحتى اليوم. وظهرت فيها جميع الكتل البرلمانية في توجه واحد ضد النهضة، حتى تلك الكتل التي كانت قريبة من الحركة خلال السنوات الماضية. وقد شكل فشل الجملي في نيل الثقة فشلاً للغنوشي وجناحه داخل حركة النهضة، حتى أننا شاهدنا نواباً من الحركة قد صوتوا ضد حكومة الجملي ونواباً اخرين فضلوا الغياب عن الجلسة أصلاً، تحاشياً للحرج الذين يمكن أن يلحقهم. ويرى متابعون أن سقوط حكومة الجملي هو مقدمة لسقوط الغنوشي خلال مؤتمر حركة النهضة القادم في مايو 2020، وسط تصاعد قوى المعارضة داخل الحركة لسياسة الغنوشي ومجموعته الصغيرة في المكتب التنفيذي، والتي يمثل قوامها نجله معاذ وصهره رفيق عبد السلام. يبدو أن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قلق بشأن أوضاع حلفائه في شمال إفريقيا.

فبعد دخوله في مغامرة غير محسوبة العواقب في ليبيا، من خلال إرساله قوات تركية محدودة للقتال إلى جانب قوات حكومة الوفاق والمجموعات الإسلامية الداعمة لها في طرابلس، وكذلك إرسال عدد كبير من المرتزقة السوريين الذين قاتلوا إلى جانبه في الشمال السوري خلال عملية الغزو في أكتوبر الماضي.

في المقابل لا يبدو أن دخول أردوغان الساحة الليبية مقاتلاً قد أعطى جدوى لحلفائه، بل على العكس، فقد شكل ذلك قاعدة جذب شعبية لقوات الجيش الليبي بقيادة المشير حفتر، والتي نجحت في تحقيق تقدم مهم في ضواحي العاصمة طرابلس وخاصة في محور أبو سليم، وكذلك نجحت في السيطرة على مدينة سرت ومينائها الاستراتيجي وأصبحت على مشارف مدينة مصراته، ذات الموقع والمكانة الاستراتيجية لدى قوات الوفاق وخاصة لدى أردوغان نفسه، والذي برر تدخله في ليبيا بالدفاع عن الليبيين من أصول تركية وهم سكان مصراته.

المشاكل التي يعانيها حلفاء أردوغان من الإسلاميين في ليبيا، يبدو أن عدواها ستضرب حلفائه من الإسلاميين في تونس – مع فارق السياق والظروف – فحركة النهضة أصبحت عاجزة عن الظفر بالسلطة التنفيذية على الرغم من كسبها النسبي للانتخابات التشريعية، بعد فشلها في نيل الثقة لحكومة الحبيب الجملي. وهي تواجه اليوم شبح عزلها، إن مضى الرئيس في تشكيل حكومة ودعمتها بقية الأحزاب (التيار وحركة الشعب وتحيا تونس وقلب تونس)، وربما تجد نفسها وحيدة في المعارضة لأول مرة منذ العام 2011، وهذا أمر تخشاه الحركة بشدة، كخشيتها من إعادة فتح العديد من الملفات الأمنية التي تخص فترة حكمها بين 2011 و2013 وأهمها ملفات الاغتيالات السياسية والجهاز السري وملف شبكات التسفير إلى سوريا وليبيا والعراق. فحركة النهضة لا تريد البقاء خارج السلطة، وإن كلفها الأمر لتقديم التنازلات، فقد شاركت مع نداء تونس في 2014 بكاتب دولة واحد في حكومة الحبيب الصيد (2014-2016) ولم ترضى البقاء خارج السلطة.

بعد ساعات قليلة من فشلها في الظفر بالثقة البرلمانية للحكومة التي تدعمها، والتطورات الميدانية في ضواحي العاصمة طرابلس، يطير الشيخ راشد الغنوشي، للقاء الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان. أو ربما أُستدعي على عجل من طرف أردوغان لهذا اللقاء.

فالرئيس التركي أصبح يتعامل مع حلفائه من الإسلاميين في الشمال الإفريقي، كتعامل الخليفة العثماني مع ولاته.

لكن الفارق الوحيد في لقاء الغنوشي مع أردوغان اليوم، كان الصفة التي يحملها الغنوشي. فالرجل لم يعد رئيس حركة إسلامية – تدين بولاء شبه مقدس للرئيس التركي – بل رئيس مجلس النواب التونسي، أحد المناصب الرفيعة الثلاثة في الدولة التونسية.

أصبح أردوغان اليوم، يخشى فقدان حلفائه لمواقعهم في السلطة، لذلك نراه يسابق الزمن لمنع ذلك، من خلال الدعم العسكري في ليبيا والتأثير المالي والإعلامي والسياسي في تونس.

فالرجل لا يريد أن يكرر "مأساته السودانية" بفقدانه لعمر البشير، عندما بقي يشاهد سقوط البشير بعد ثورة شعبية، دون أن يحاول التدخل لمنع ذلك. فقد فَقدَ بفقدانه البشير الاتفاق الاستراتيجي الذي حصل من خلاله على جزيرة سواكن وعلى مواقع مهم في إفريقيا وقريباً من مصر. وخروجه الاستراتيجي من ليبيا وتونس (بهزيمة حلفائه) سيعني ضمنياً تبخر أحلامه "العثمانية" بإعادة بسط السيطرة التركية على الولايات العثمانية القديمة.

في المقابل لم يتبقى لحركة النهضة من حلفاء فاعلين في الخارج إلا تركيا، بعد الانكفاء القطري، فقطر لم تعد فاعلة ومؤثرة كما كانت بين 2011 و2014. خاصة وأن مواقف الدول الأوروبية في المتوسط من الصراع الليبي، تبدو في المعسكر المضاد للموقف التركي والإسلاموي، ما يوحي بوجود نوع من العزلة الدولية. فأردوغان الذي استدعى "حليفه" في تونس على عجل اليوم، للنظر في أحوال "امتداد نفوذه في تونس" استدعى أيضاً "حليفه" في ليبيا، فايز السراج للاطمئنان على "مجاله الاستراتيجي الليبي'' فقد كشف وكالة الأناضول في برقية لها اليوم عن أن "رئيس المجلس الرئاسي للحكومة الليبية، فائز السراج، سيزور الأحد، تركيا، حيث من المتوقع أن يقابل الرئيس رجب طيب أردوغان."