هذا الاتفاق ماهو إلا غطاء قانونيّ للنشاطات غير القانونية التي كانا يقومان وسيقومان بها بالمنطقة، خصوصاً في الساحة الليبية، ولعل هذا هو السبب في إبرامهما الاتفاق بهذه السرعة الفائقة.
فور توقيع هذا الاتفاق ألمح الرئيس رجب طيب أردوغان في خطابه إلى أنه من المحتمل أن يكون إرسال جنود أتراك إلى ليبيا على جدول الأعمال في المراحل المقبلة.
وبالفعل، قامت حكومة السراج في الـ26 من ديسمبر2019، فور تلقي الرسالة من أردوغان، بطلب رسمي من تركيا، لترسل أنقرة وحدات جوية وبحرية وبرية إلى ليبيا.
لكن الرئيس أردوغان استخدم هذا الاتفاق كغطاء رسمي قانوني لنشاطاته غير القانونية في المنطقة، وأضر بمصالح تركيا الاستراتيجية على المديين المتوسط والبعيد.
ففي الـ19 من يناير (كانون الثاني) عُقد اجتماعٌ حول ليبيا في برلين، وبإشراف من الأمم المتحدة. وفي هذا الاجتماع الذي شارك فيه رجب طيب أردوغان أيضاً ووقَّع عليه، جرى اتخاذ قرار يحظر إرسال أو بيع أسلحة وأي معدات عسكرية إلى ليبيا.
لكن لم يغب عن الأنظار كيف أنّ الرئيس أردوغان خرج من الاجتماع وجهه مسودٌّ وهو كظيم.
لكن السؤال: لماذا يقوم حزب العدالة والتنمية بكل ذلك على الرغم من تلك المخاطر؟ وما هدف أردوغان في ليبيا؟ وماذا يستفيد من مواصلة الحرب هناك؟
وبالتزامن مع هذا الاجتماع كانت هناك سفينة شحن كبيرة في ميناء مرسين تحمل على متنها أسلحة ومعدات عسكرية ثقيلة في طريقها إلى ليبيا، تحرّكت في الـ24 من يناير2020 في البداية، وكأنها تتوجّه إلى ميناء قابس بتونس، لكنها غيَّرت وجهتها أخيراً إلى ليبيا.
وعندما اقتربت السفينة من ليبيا على بعد 400 كيلومتر حاول القائمون عليها منع تعقُّبِها من خلال إغلاق نظام الإشارات المسمّى (BANA).
ومع الأسف كان المسؤول عن حراسة السفينة فرقاطة من القوات المسلحة التركية.
لكن كل هذه الترتيبات فشلت، واُحتجزت السفينة، التي كانت تحمل الراية اللبنانية، من قِبل القوات البحرية العسكرية الفرنسية، وتجاهلتها الفرقاطة التركية.
وانعكس خبر الاحتجاز على الصحف، لكن تفاصيل الحادث ظلت مخفية، مع العلم أن السفينة لا تزال محجوزة في ميناء إيطاليا.
وينبغي التنبيه إلى أنه قُبِض على عشرة ضباط استخبارات أتراك وخمسة جنود أتراك، إضافة إلى عمّال عاديين كانوا على متن السفينة المحمّلة بالأسلحة غير القانونية، ولا يزالون قيد المحاكمة في إيطاليا.
ومن المثير الاهتمام هو أنّ أحد الضباط الخمسة الذين اعتُقلوا لجأ إلى إيطاليا، ما يعني أن هذا الضابط سيزوِّد المسؤولين من الاتحاد الأوروبي بجميع تفاصيل تهريب الأسلحة.
وما ينبغي أن لا يغيب عن الأنظار أن هذه السفينة ليست عسكرية، بل هي تابعة إلى القطاع الخاص، وتحمل راية أجنبية، ومعظم ما فيها من الأسلحة صُنّعت في مصنع الأسلحة الذي يملكه أدهم سانجاق، المقرّب من الرئيس التركي، بل يعتبره أردوغان "صديق العمر".
ورُخِّصت هذه السفينة على أساس أنها تنقل سيارات مستعملة من أوروبا إلى شمال أفريقيا.
وتوجد سفن أخرى مثلها سبق أن تنقَّلت بين تركيا وليبيا مرات عديدة، وهذا هذا دليلٌ صارخٌ على أن أردوغان يمارس تهريب الأسلحة إلى ليبيا، كما سبق أن هرَّب النفط السوري.
لكن المؤسف أنه يحاول أن يوظّف الجيش التركي في مثل هذه الأعمال القذرة.