هل تتغير ملامح العاصمة السودانية إلى الأبد؟

ذانيوز أونلاين// أحالت حرب السودان المندلعة بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" منذ منتصف أبريل (نيسان) 2023العاصمة الخرطوم إلى حطام، حيث تعرض عديد من منشآتها العريقة وذات القيمة التاريخية، فضلاً عن مرافقها الخدمية العامة وأعيانها المدنية للتدمير، وبحسب مراقبين فإن البنية التحتية لهذه العاصمة دمرت بنسبة تزيد على 70 في المئة.

وحملت جهات حقوقية محلية ودولية عدة طرفي الصراع مسؤولية الدمار الهائل الذي لحق بعاصمة البلاد في ظل إصرارهما على الاقتتال والغارات الجوية والقصف المدفعي، واستهداف بنيتها التحتية ما حول مبانيها ومعالمها لانقاض.

هذا الدمار الشامل يطرح تساؤلات عدة حول واقع ومستقبل هذه العاصمة بعد توقف القتال وخطط إعادة اعمارها، فهل تتغير ملامحها إلى الأبد؟

ترهل وفوضى

استشاري التصميم المعماري عثمان الخير قال "آمل في أن تتغير ملامح الخرطوم كلياً لأنها كانت قبل الحرب خليطاً لا قوام له، ووصلت إلى مرحلة من الترهل والفوضى والتدني المريع في خدماتها وفقدان الهوية العمرانية، فضلاً عن تدني مستوى الحياة فيها وانعدام الأمن والأمان".

وتابع "من الأهمية بمكان العمل على معالجة ثغرات مخطط الخرطوم القديم ببصيرة واعية، فقد بدأنا ندرك أن أكبر أخطائنا العمل من دون رؤية واضحة وخطة استراتيجية متسقة، حتى أصبحنا بلداً كل شيء فيه متغير، من اسمه وعلمه وحدوده السياسية وعملته ونشيده الوطني وتشكيلاته الوزارية ومناهجه التعليمية، وحتى جيشه الوطني الذي أصبح سبعة جيوش بقياداتها المنفصلة وأسلحتها الخاصة".

وأضاف الخير "مناقشة مصير الخرطوم كأنها جزيرة معزولة يمكن أن يعيدنا للمسار الخاطئ نفسه الذي ولد الأزمة، فالخرطوم عبارة عن منظومة مستوطنات يفترض أن تعمل بتكامل يحقق أفضل استثمار للقدرات والموارد، وأحسن توزيع للعائدات والفرص".

خطط فقير

وواصل استشاري التصميم المعماري "أما من ناحية تكتيكية، فنجد أن مخطط الخرطوم كان فقيراً لا يدعم الحياة الجماعية الحيوية، واتساعها المفرط، بل أصبح عقبة في سبيل تمديد الخدمات وضبط الأمن وتسهيل إدارتها، وشكلت الكتل الصماء الضخمة الواقعة في منتصفها، مثل المطار والمقار العسكرية والسكة الحديد والمقابر والمناطق الصناعية، وغيرها، خللاً في استخدامات الأراضي وعاملاً في إضعاف حيويتها وتماسك أجزائها وسلاسة بنيانها". ولفت إلى أنه "ربما كان أبشع أخطاء الخرطوم إهمالها النيل، والأنهار الثلاثة، وكثير من المدن دمرتها الحروب بصورة شبه كاملة، لكنها استعادت قواها ونشأت أفضل وأقوى مما كانت عليه سابقاً، ولم يحدث هذا الشيء صدفة، بل كان نتيجة تخطيط دقيق"، مضيفاً "هناك أراضٍ حكومية واسعة ضعيفة الاستخدام، أو مهملة حالياً، ستكون رصيداً للخطة المقبلة، كما يمكن استخدام التعويضات والحوافز للملاك من خلال استعادة الأراضي في وسط المدينة، ومن ثم اجتثاث المنشآت المتأثرة بالحرب، وهي في ما يبدو تشكل معظم المساحة المؤثرة، وبذلك تتوفر مساحات كافية لمخطط جديد ملائم للعاصمة".

ونوه استشاري التصميم المعماري إلى أن "مهام العاصمة انتقلت الآن إلى بورتسودان"، ورأى أنه يجب ألا نهرع لتعمير الخرطوم إذا كان ذلك سيؤدي لفوضى في عمرانها، "فالأولوية يجب أن تكون للمدن الوسيطة التي اكتظت بالمهاجرين من خلال تقديم الخدمات لهم وتشجيعهم على بدء حياة جديدة منتجة، وليس من الضروري أن تكون الخرطوم هي العاصمة، وإذا لا بد من ذلك، فليس من الضروري أن تكون هي الأكثر سكاناً، وربما بعض الذين رتبوا أحوالهم في مدن النزوح سيقبلون تعويضاً مناسباً يعينهم على دعم حياتهم الجديدة التي خبروها وعرفوا ميزة الحياة بعيداً من الصخب والأزمات".

وأكد أن الخرطوم حتى إذا لم تكن عاصمة، فهي مدينة مهمة جداً لذلك يجب العمل بصبر وبحرص على تصميمها وبنائها من جديد، لكن بخطة تليق بها.

قصر نظر

في السياق أوضح عضو اللجنة التسييرية للاتحاد العام للمهندسين السودانيين جعفر أحمد علي أنه "عندما نشأت الخرطوم كعاصمة خضعت لمجموعة من الدراسات والتخطيط، ومرت بمراحل عدة منذ فترة ما قبل الاستقلال، وانحصر التخطيط في بعض الشوارع الرئيسة بوسط العاصمة، ولم يتعد أطول شوارعها، وهو شارع الحرية الذي يشق الخرطوم من النيل الأزرق شمالاً إلى منطقة أبو حمامة جنوباً، وكان الشارع المؤدى إلى الشجرة يعد شارعاً فرعياً".

وأضاف "كما تم تخطيط وإعمار منطقة وسط الخرطوم لتضم السوق العربية والسوق الإفرنجية لخدمة بعض مئات أو آلاف الناس وليس الملايين، لذلك عانت هذه المنطقة من عدم توفر مواقف للمواصلات، فضلاً عن قلة الخدمات الأساسية بخاصة المراحيض العامة، ما جعل الجامع الكبير ملجأ لرواد السوق لاستعمال مراحيضه، كذلك أصبحت الخرطوم من أقذر المدن في العالم بسبب تراكم النفايات بصورة لا توصف".

ولفت علي إلى أن "غالبية المنشآت في الخرطوم تعرضت للدمار ابتداءً من وسطها حتى سوبا شرقاً، مثل الحي الراقي والرياض والطائف والمعمورة، إذ لا توجد أي خدمات للصرف الصحي، كما أسيء تخطيط غرب العاصمة بإقامة منطقة صناعية أصبحت حاجزاً قبيحاً من الناحية الغربية، وحجبت النيل الأبيض ومنعت تطويره". وأشار إلى أن أخطاء التخطيط ليس لها ما يبررها غير قصر نظر المسؤولين ما حول العاصمة إلى مدينة ريفية كبيرة تفتقد أقل مواصفات المدن، فلا طرق معبدة، وهي تفتقد لأبسط عمليات التخطيط.

وأكد علي أن الحرب دمرت ما كان منتظراً أن يتدمر من تلقاء نفسه بحسب الزمن، "فالصيانة التي تجرى لشوارع الخرطوم ومرافقها الخدمية المختلفة تكاد لا تشعر بها، كما لا توجد مساحات خضراء كافية، وهذه مأساة تعانيها مناطق وشوارع الخرطوم ما عدا شارع النيل، وأسواقها تطغى عليها العشوائية وتعاني عدم النظافة، فضلاً عن أنها تفتقد المواقف الكافية والمريحة والإضاءة الليلية إلا ما ندر، كما أن الجسور التي أقيمت أخيراً عرقلت التحرك، وبعض أنفاقها تغمره المياه في موسم الأمطار".

وختم عضو اللجنة التسييرية للاتحاد العام للمهندسين السودانيين أن هذه الأخطاء تتكرر في أم درمان والخرطوم بحري، "وإن كان من تفكير بإعادة إعمار الخرطوم فليتم البدء بإعادة تخطيط شاملة، على أن يتم توزيع الخدمات الرسمية والتجارية والبنكية والصحية والتعليمية والصناعية في مدن الولايات الأخرى لتخفيف الضغط عن العاصمة، وإلا لن تكون لنا عاصمة نفخر بها".

اندبندنت عربية