وآخرون وآخرون شكّلوا معالم الدورة الخامسة والخمسين لمهرجان قرطاج الدولي بتنوعهم واختلاف اتجاهاتهم الفنية...
بعد كلّ هؤلاء جاء فارس الغناء العربي عاصي الحلاني إلى المسرح الروماني بقرطاج ليلة الأحد 25 أوت 2019 ليعتلي صهوة الأغنية الجبلية التي بدأ روّادها يندثرون تدريجيا. عاد الفارس بعد عقد من الزمن مشتاقا لجمهور ملأ كل مساحات المسرح قبل انطلاق العرض بساعات، مشتاقا للركح ولنسمات قرطاج الصيفيّة، شوق ترجمته جملة في أغنية: "يا بيت الأحباب الغربة هدّتني/ بعد سنين غياب حجارك عرفتني" ركب الفارس صهوة الأغنية وجمح إلى ما هو أبعد من المكان والزمان، لم يتوقّف لحظة واحدة منذ إطلالته على المسرح ب"بحبك وبغار" حيّى هذه الأرض الطيبة واعترف بفضل مهرجان قرطاج في التعريف بالفن والثقافة العربية وجنّح مع جمهوره من خلال مجموعة من أغانيه القديمة التي صنعت نجوميته وكتبت الأسطر الأولى في مسيرة فنية تقارب الثلاثين سنة، "وأنا مارق مرّيت" و"يا ناكرة المعروف" و"قولي جاي" و"مالي صبر يا ناس" و"أنا يا طير" و"يا ميمة جنب الخيمة" و"قولي جاي" كلّ أغنية مسبوقة بموّال يلامس فيه صوت عاصي الحلاني مناطق بعيدة في الغناء بإحساسه العالي وصوته القوي وعُرَبه الموسيقية المتفردة...
كما غنى من جديده "اضحكي بس اضحكي" و"سألوني إذا كنت بحبك" و"مش طلبي حبك"... صوت جبلي يطوّعه الفارس كيفما شاء وحسب النص الشعري الذي اختاره، تنقّل بين أشكال غنائية مختلفة من الموال إلى الرومنسي إلى الفلكلوري... رقص الدبكة مع عازف الطبلة الذي خرج عن صفّ العازفين وتقدّم الركح متأثرا بالتفاعل الكبير للجمهور. مفاجأة عاصي الحلاني لجمهور سهرة الأحد 25 أوت 2019 ضمن فعاليات الدورة 55 لمهرجان قرطاج الدولي كانت في صعود ابنه وليد ليشاركه الغناء "عم يسألوا كيف جنونك بتحملوا" كوبليه بكوبليه وموال بموال صوت قوي وصاف وحنجرة بكر بمساحات واسعة قادرة على تأدية أصعب الألوان الغنائية، مفاجأة ثانية خبّأها فارس الغناء العربي لجمهور الدورة الخامسة والخمسين لمهرجان قرطاج الدولي تمثّلت في مجموعة صيف الشام للرقص الفلكلوري التي حولت قرطاج بركحه وكراسيه ومدارجه إلى حالة من البهجة عصيّة على الوصف بلباسهم الفلكلوري وألوانه الزاهية وخفّة حركاتهم وتناسق إيقاعهم. لقد كان عاصي الحلاني سخيّا جدا مع جمهوره وفيا للقبه لم يترك لحظة واحدة تمرّ دون أن تصدر منه إشارة أو علامة من علامات الانبهار (الله... تصفيرة أو تصفيق حاد أو إشارات ضوئية بالهواتف الذكية).
"حكت هي وسكت اني" و" راحت وشو بيظل غير الهم" و"يا بايعين الصبر" و"من هون نحنا هون/ من قصة عمر/ من بسمة الأيام للأيام" و"لولا السنين تكون على قد الحنين" مواويل صدح بها الفارس بمتعة سرت عدواها إلى الجمهور بسرعة الضوء... العتابا والفلكلور والشجن العراقي في أغنية لكريم العراقي و"عالهوارة" والموال الرومنسي الدافئ... كلها كانت حاضرة في حفل أمضاه عاصي الحلاني في الليلة قبل الأخيرة من الدورة الخامسة والخمسين لمهرجان قرطاج الدولي...
أمضاه بالجدية واحترام الجمهور وبالحب الكبير والفن الأصيل، أمضاه بالوفاء لجمهور جاءه بأعداد كبيرة فاحترمه إلى غاية اللحظات الأخيرة قبل أن يودعه مترجلا عن صهوة القوالب الغنائية التي ركبها باقتدار ويلتقي بالإعلاميين بكواليس قرطاج مباشرة بعد العرض ليعرب عن سعادته الفائقة بالنجاح الذي بلغه حفله الفني وسعادته بهذا الجمهور واحترامه الكبير لمهرجان قرطاج العريق "من لم يغن في تونس وقرطاج بالذات لم يغنّ بعد" كما تحدّث فارس الأغنية العربية في اللقاء الصحفي عن البرنامج الذي اقترحه خلال السهرة مؤكدا حرصه على تنويع الريبيرتوار ليشمل مجموعة من الأغاني التي تلخّص مسيرة فنية تقارب الثلاثين سنة وقد كان حفظ الجمهور لأغاني التسعينات وتذكّرها بتفاصيلها مبعث سعادة قصوى له "يعنيني كتير حفظ الجمهور لكل أغاني"...
وعن مشاركة ابنه وليد له في الحفل الفني أوضح عاصي أنه موجود بالصدفة ويمكنه القول إنه دعاه للغناء من باب التشجيع له: "وليد مرّ الليلة بامتحان كبير أمام جمهور كبير... هو صوت جميل ومحترم وأعتقد أنه لو لم يكن ابني ويمتلك هذا الصوت فإنني سأساعده قطعا" وعن غيابه عن قرطاج لمدة عشر سنوات علل عاصي الحلاني ذلك بالظروف الصعبة التي مرّت بها المنطقة العربية...
كلمته الأخيرة قبل أن يستقل الطائرة عائدا إلى لبنان الجناح الثاني للطائر "لبنان وتونس طير بجناحين" (والعبارة لعاصي) تمنى أن يكون في مستوى هذه المحبة التي غمره بها الجمهور وتمنى دوام الأمن والأمان بتونس التي "يجمعنا بها تاريخ وعلاقات طيبة"