لماذا لا نذهب بعيدا في الابتذال والرداءة لنقطع نهائيا مع العقلانية ونغوص في عالم العبث والكوميديا السوداء بوضوح وجرأة؟
قد تبدو الفكرة مجنونة و عبثية للوهلة الأولى لكنها نتاج "منطقي" لجنون الواقع ومن ثمة العقل وهي فكرة نص "هذيان" لأوجين يونسكو رائد المسرح العبثي واشتغل عليه المسرحي التونسي أمير العيوني في عمل اختار له عنوان :"القلص" تم عرضه اليوم الاحد 8 ديسمبر 2019 بفضاء التياترو ضمن قسم العروض الموازية لتظاهرة ايام قرطاج المسرحية في دورتها 21.
العمل من سينوغرافيا وإخراج لأمير العيوني وأداء فاتن خميري ورمزي بن ريانة وأمير العيوني و توظيب ركح وإنارة لمحمد صالح المداني وتوضيب عام أميرة قسيم وتنفيذ الملابس لجليلة المداني وماكياج لريحانة عباس وفوتوغرافيا لمحمد قلنزة. تدور احداث المسرحية في خزانة ملابس داخل شقة في وطن تسيطر عليه أهوال الحرب ويخيم عليه صوت الرصاص,,هناك في هذه الخزانة يجلس زوجان يتبادلان حديثا غريبا حول "الحلزون والفكرون" ,, يبحثان بجدية مفرطة في نقاط التشابه ونقاط الاختلاف بين هذه الكائنات ,, يحتد النقاش ويصل مرحلة الصراع بسبب "الحلزون والفكرون" حكاية " هذيان ثنائي" ليونسكو حكاية عبثية تسخر من جدوى الوجود اصلا وهذا العبث هو نتيجة ماوصلنا اليه بعد رحلة" شيقة" من اعمال العقل ,,فلم يعد لاصوات الزوجين من معنى وسط دوي القنابل وأصوات الرصاص وهو حال نقاشاتنا العبثية في وطن يكتوي الإنسان فيه بنار الأزمات الاقتصادية الخانقة و"الحرب" الشرسة غير المعلنة على جيب المواطن في بلد الانتقال الديمقراطي.. يتسلى مسرح العبث بالسخرية من الواقع بل ويتفنن في النفخ على مقوماته الهشة لتتطاير كهباء منثور.. وهو انتقام فني من واقع عذب الإنسان و"سلخه" عن مقوماته الإنسانية .. هواة مسرح العبث لا يثقون في الكلمات والألفاظ المنطوقة لهذا يكون الحوار على الخشبة تافها لا معنى له على عكس السينوغرافيا التي تبرز كلاعب رئيسي فنلاحظ في مسرحية "القلص" أهمية الدور الذي لعبته السينوغرافيا من ضوء وصوت وإيماءات ولغة جسد في تبليغ المعنى..أولا معنى الوجود.. تنطق السينوغرافيا لتعلمنا بعذابات الإنسان سجين مربع العنف.. تذكرنا بضحايا الشقاء تبث فينا مشاعر الأسف على كل إنسان مفرط في إنسانيته داخل عالم أساسه الفوضى ومحركه العنف..