هذا العمل أنتجته دائرة السينما والمسرح والفرقة الوطنية للتمثيل، كتبه هونشك وزيري وأخرجه إبراهيم حنون وقام بأدواره كل من رائد محسن، باسل شبيب، كاترين هاشم، شوقي فريد، طه علي، حيدر الخياط، سيف مؤيد، علي العذاري وماجد لفته. كلّ المجانين غادروا المستشفى لم يبق سوى الطبيب وابنته الممرضة، ومريض واحد يرفض المغادرة رغم إصرار هذين الأخيرين على أنه عاقل ورغم كرهه لهذا المكان المقيت البائس.
إسماعيل وهو بطل العمل اتخذ من مستشفى المجانين بيته وعالمه هاربا من العقل المدمر والموت والدمار والجنون الموجود في الخارج، هناك حيث العاقل هو المجنون الحقيقي، في ذلك العالم وجد إسماعيل نفسه مطحونا بإيقاع الحرب وإرهاصاتها فاختار الجنون بإرادة مطلقة ليحافظ على انسانيته... فهو السجين السياسي والمُعنّف الذي وجده الطبيب متورّما أمام باب المستشفى وهناك استقرّ يخاطب الطبيب خطاب الأب والممرضة خطاب الزوجة ياسمين ولا يحتاج للعقل ليعيش، هذا العقل الذي لا يفعل شيئا سوى إصدار الأمر بقتل الانسان وتشريده وتدمير المنشئات، صار إسماعيل جبانا يؤدّي دور المجنون ليكون في أمان، يرى العالم مليء بالشياطين... "العاقل مجنون"، هي صرخة إسماعيل المطحون بآلة الحرب التي دمّرت كل شيء وحولت الإنسان إلى حطام.
لا أحد يستطيع إقناع إسماعيل بأنه عاقل "الجنون قرار وخيار يتخذه العقل بكامل إرادته" حكمة لا تستقيم في منطق العقلاء وتلك مفتاح الحكاية في المأساة التي عاشها إسماعيل، وهي حكاية كل عراقي لم يقبل المنطق الذي فرضته آلة الحرب الطاحنة. "أمكنة إسماعيل" خطاب فلسفي كتب بشاعرية عالية يحاول تحديد الشعرة الفاصلة بين العقل والجنون لكنّه في تحديد المفاهيم يخذله الواقع ويصدم بتداخل العالمين: عالم الخارج حيث العقلاء مجانين حرب وعالم الداخل/مستشفى حيث المجانين يرفضون الحرب ويحتمون بالجنون...في منتصف هذا الطريق ضيّع إسماعيل البوصلة بين الاتجاهين. خمسة عشر عاما استعمل إسماعيل عقله ليلغي العقل (بالمفهوم العام) ليقنع الكل بالجنون... لعبة قاسية ضيّع في ثناياها الزوجة والإبنه والبيت وضيّع إنسانيته التي ادعى أنه حصّنها بالجنون ليجد نفسه من جديد في المستشفى (المبنى البائس المهجور) وحيدا بعدما غادره الكل لمواجهة مصائرهم في الخارج... يصرخ وحيدا: "أنا اسمي إسماعيل" مسرحية تخوض في جدل الأمكنة وحافات الجنون والعقل الخارج والداخل... ينتهي العمل ويحيي الممثلون الجمهور ثم يعودون وقد وضعوا أقنعة على أنوفهم وأفواههم رافعين إشارة النصر... وتلك وسيلتهم ليقولوا " عندما تحيط بنا الغازات السامة، نلوذ بالمسرح بوصفه أوكسيجين الحياة"