اقتحم الرّكح صوت هادئ ترنّم بنبرات خافتة تهويدة "سعدي سعد بنتي خير من ألف ولد" لتبرز قيمة المرأة منذ ولادتها ورفعتها ومحاسنها وجمالها، قبل أن تظهر لبنى نعمان متهادية على الركح بفستان زفاف أبيض ناصع زادها إشعاعا لتتوحّد مع أعضاء الفرقة اللذين اختاروا بدورهم اللّون الأبيض رمزا للنّقاء والصّفاء.
احتفت لبنى نعمان في سهرة عيد المرأة، بالمرأة التونسية والعربية، المرأة الكادحة التي تمنح الحياة وتعطي من روحها، المرأة القويّة التي تقلّدت مراتب عليا وأخذت مكانة كبيرة في الصفوف الأمامية للمهن والمناصب التي طالما اقتصرت على الذكور.
احتفت بالحب والحياة، الألم والأمل، الشيب والشباب وخاصة المرأة في كلّ مراحلها العمريّة من طفولتها إلى كهولتها وشيبها. عرض "الولاّدة" الذي اقتبس اسمه من فعل الولادة، الفعل المقدّس الذي يمنح الحياة ويعطي الإذن لمولود جديد يأخذ من رحم أمه قوّة مجابهة الحياة، أخذ ركائزه من أعماق الذاكرة الشفوية، ليرحل في التّراث الموسيقي لأغاني النسوة يجمعها ويعيد كلّ من مهدي شقرون وقيس المليتي توزيعها وكتابتها الموسيقية مع الحفاظ على المبنى العام للأغنية.
افتَتحت لبنى نعمان العرض بأغنية "الوشام" التي قدّمتها تحيّة لبيروت قبل أن تقوم بجولة في التراث الموسيقي من أغنية "اللي هزّ رقيّة" إلى "الرّيم عرضني" وهي أغنية من مدينة جبنيانة مسقط رأسها ليعتلي إثرها الشاعر أنيس شوشان الركح ويقدّم قصيدة "سلام لك يا بلد" يرافقه بالعود مهدي شقرون. فلسفة عرض "الولاّدة" الذي حرصت لبنى نعمان صحبة رفيق دربها مهدي شقرون على التّجديد فيه قبل كلّ عرض، تقوم على النبش في الذاكرة الموسيقية الشفوية، تلك الذاكرة التي تحملها نساء في قلوبهن وأصواتهن، وتتعدّاه إلى البحث في معانيها عبر تلك الروح التي بعثتها لبنى نعمان على الركح، روح متمرّدة ورقيقة في الآن ذاته.
"كبّ الفولارة"، "غريب وجالي"، راني مضام"، "توبة"، "يما وجعتوها" و "بتّي سهرانة"، أغاني من عمق التراث التونسي، طافت حولها لبنى نعمان راقصة بجسدها وبإحساسها وصوتها في معاني الكلمة وعمق الاحساس الذي تولّد من الرغبة في الحياة قبل أن تقدّم تحية لروح صديقتها "لينا بن مهنّي" من خلال أغنية "يا من صبر صبري على جنّاة" لتختتم العرض بأغنية "ربيع منوّر" التي رافقتها فيها ابنتها نغم في حركة عفويّة أضافت إليها الروح المنسجمة بين لأم وابنتها جمالا.