في تمام العاشرة ليلا ارتفع صوت النشيد الوطني التونسي معلنا عن انطلاق السهرة، وتحت تصفيق حار من الجمهور اعتلت الفرقة الموسيقية الركح متبوعة بقائدها المايسترو كمال العباسي لتقدم معزوفة تفاعل معها الحضور بعنوان "بشرف نيرز" ... قبل أن يطل الفنان زياد غرسة بكامل أناقته في لباسه التقليدي الذي عودنا به، ولن نمر دون الحديث عن التوزيع الركحي للفرقة الذي زاد من جمال العرض حيث حرص غرسة على تشريك أكبر عدد من العازفين والكورال فاق عددهم ال40 فردا.
وكعادته تسلطن سيّد المالوف وتماهى مع مجموعة من الموشحات في طبع "الحسين" على غرار "منيتي منذ رمت قربه" و"روحي أملي" وسافر بجمهور قرطاج الى نفحات الأندلس و التراث التونسي ب" انت وينك" و"الكون الى جمالكم " و"الخلاعة تعجبني" التي ألهبت حماس الحضور لتعلو الزغاريد في سماء قرطاج ويهتف الحضور باسم "زياد" الذي ردّ التحية بمثلها وتوجه بالشكر الى جمهوره الذي وصفه بالشريان ونفس الفنان كما لم يفته تحية فرقته الموسيقية ووزيرة الثقافة السيدة حياة قطاط القرمازي ومدير الدورة 56 لمهرجان قرطاج السيد كمال الفرجاني.
وخصص كاهن معبد المالوف جزءا من سهرته القرطاجنيّة لتحية شحرور الأغنية التونسية سيدي "علي الرياحي"، فغنى " يالّلي ظالمني" و"عيّشها ويحميها " و"غنيلي يا غصن البان" و"انا كالطير في وكري نغني" و لرائد الأغنية التونسية محمد الجموسي غنى "كي جيتينا" ..
أغان ضاربة في جذور الأصالة والتاريخ، تفاعل معها الجمهور تصفيقا ورقصا وزغاريد، قبل ان يفسح له زياد غرسة المجال ويحوّله الى كورال يرافقه الغناء ليتحول فضاء مسرح قرطاج الى حوار فنّي بين غرسة وجمهوره العاشق للفن الجميل .
جمهور استثنائي، لم يبخل عليه أيقونة المالوف بجديده الفني فغنى له لأول مرة " حبّيت نغنّيك غناية" من كلمات الشاعر علي الورتاني ، و"أنا حبيت" كلمات بشير اللقاني ألحان منى شطورو وتوزيع محسن الماطري زياد غرسة تحدّث مع جمهور قرطاج بلغة الحب فأطربه ب"علاش تحيّر فيا" كلمات رضا الخويني و"اللي تعدى وفات"ّ للهادي الجويني، وتجول في الموروث التونسي فغنى وصلة تضم عددا من الأغاني التونسية العتيقة على غرار " عشيري الأول " وبحذا حبيبتي" و"يا نهار البارح" و"العشاقة" و"كحلة الأهذاب" وغيرها .
وعلى غير عادته تخلى زياد غرسة عن تحفظه، وترك فرقته التي يتوسطها، ليلهب مدارج قرطاج برقصة قابلها صوت الزغاريد والتصفيق وأهازيج الجمهور . ولأن عرضه حمل عنوان "فرحة" فلا غرابة في أن يخيّر سيّد المالوف ان يختمه بالتعليلات التونسية من "انزاد النبي" الى " يا مرحبا بأولاد سيدي" و"جيبوا الحنّة" و"تلمت الأحباب" لتكون " يا ديني محلالي فرحه" مسك الختام . سهرة استثنائية تونسية الهوى والهوية استعاد فيها جمهور قرطاج الطبوع التونسية ودرر مالوفها ، وقال عنها زياد غرسة في ندوة صحفية عقدت بالمركز الاعلامي اثر عرضه انه اختار لها عنوان " فرحة" لأن الشعب التونسي في أمس الحاجة الى "الفرحة" بعد جائحة كورونا، كما أنه أراد من خلالها استرجاع الهوية التونسية، وهو ما دفعه الى المراوحة بين انتاجاته الجديدة واغان تونسية عتيقة .
وكشف زياد غرسه في لقائه الصحفي أن مشروع تسجيل المالوف التونسي وصل الى مرحلة متقدمة جدا ولاقى ترحابا من قبل وزيرة الثقافة السيدة حياة قطاط القرمازي، وجدّد حديثه عن حلمه المتجدد ألا وهو إنشاء "بيت المالوف" .