تاريخ التشييد
واجهة المتحف تحمل 3 أسماء هي: "متحف النسيج" و"سبيل محمد علي" و"مدرسة النحاسين "، ما يثير تساؤلات المارة حول سبب هذه المسميات. قبل أن يصبح ثالث متاحف النسيج في العالم، عُرِف باسم "سبيل محمد علي" نسبة إلى محمد علي باشا (1769 - 1849) مؤسسة الدولة الحديثة في مصر، الذي شيّده بغرض تخليد ذكرى ابنه إسماعيل باشا الذي توفي في السودان عام 1822. وبمرور السنوات تعرض السبيل للإهمال، حتى تحول إلى "مدرسة النحاسين"، التي درس فيها الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر (1918 - 1970) خلال المرحلة الابتدائية. وتدريجياً تحول المبنى العريق إلى مركز رئيسي لتجميع المنسوجات القديمة، التي تؤرخ للحضارات الفرعونية والقبطية واليونانية والرومانية والإسلامية حتى العصر الحديث، ليفتتح في فبراير/شباط 2010 بعد ضم نحو 250 قطعة من الأقمشة و15 سجادة أثرية.
الأزياء عند الفراعنة
نالت صناعة المنسوجات عند الفراعنة مكانة كبيرة منذ العصور الأولى، وأتقن المصري القديم هذه الصناعة باستخدام أدوات الغزل المتنوعة والألوان المبهجة في صباغة أزياء النبلاء والعامة، كما تزينت المقابر والمعابد بالستائر والأقمشة. ولم تخلو مقبرة من مقابر الفراعنة من قطعة كتان تشير إلى براعتهم في احترافية الصناعة، وتميزت ملابس الكهنة بالقمصان المزخرفة بالكتابات الهيروغليفية والرداء الذي يغطي الأكتاف عند التعبد للآلهة. واعتنوا كذلك بتصنيع الملابس، حسب كل فصل ما بين التنورة والعباءات والشال وأغطية الرأس للرجال والسيدات. وداخل أروقة المتحف توجد قاعة كبيرة للمنسوجات في عهد الفراعنة، وتضم قطعاً من نسيج الكتان الرقيق المزين باللونين الأحمر والأصفر تنتمي لفترات حكم تحتمس الثالث وحتشبسوت في الدولة الحديثة، وبقايا قفازات عُثِر عليها على ذراعي لسيدة تدعى "تو حنت" في مقبرة بالدير البحري بالأقصر صعيد مصر. وشمل القسم الفرعوني، نماذج مصغرة لورشة النسيج المستخدم فيها النول الأفقي، التي عُثِر عليها بمقابر الدولة القديمة، ما يشير لقدسية حرفة الغزل والنسيج لديهم، التي ساهمت بشكل كبير في شهرة نبات الكتان، لاستخدامه بكثرة في الصناعة. وفي بادئ الأمر ارتدى المصري القديم المنسوجات بلون الكتان الطبيعي، قبل يضيف عمال الصباغة إلى الأزياء صبغة طينية ذات لون برتقالي لصناعة منسوجات من البني والأحمر والأصفر، وتطورت بخلط المادة المستخرجة من شجر السنط، لتظهر ألوان الأزرق والأبيض والأخضر في ملابس المصريين القدماء.
الفن القبطي
الحقبة القبطية أضافت فنوناً جديدة في النسيج بداية من طريقة الغزل وصولاً إلى المواد المستخدمة، وكثر استخدام الصوف باختلاف ألوانه وسمكه. وظهرت لمسات الفنان القبطي في نسج الأقمشة بزخارف وأشرطة ونقوش هندسية ونباتية ورموز أسطورية ودينية وأشكال للطيور والحيوانات في أزياء النبلاء والعامة. وأعيد استخدام الكتان مرة أخرى في المنسوجات، واعتمد الصناع على تبطين المنسوجات بالكتان وغزلها مع قطع الأقمشة المصنعة من الصوف، ما ذاع صيت مصر في صناعة النسيج وقتها في العالم.
المغازل الدوارة
من الغزل اليدوي إلى إبر الخياطة، تطورت الأدوات المستخدمة في النسيج، وفي مصر القديمة كان المغزل اليدوي أكثر انتشاراً، وكان يثبت على شكل قرص مخروطي يسمى "الحدافة" لضبط عملية الغزل بانتظام، كما استعان المصري القديم بالمغازل الدوارة لغزل الخيوط معتمداً على قص القماش بشكل يدوي بحجر الصوان. وفي عهد الرومان ظهرت أدوات قص القماش المصنوعة من عظام سيقان الطيور وعظام الأسماك المدببة، وبمرور الأزمنة صُنعت إبر معدن من النحاس والبرونز والفضة.
أزياء الأطفال
ولم يختزل المصري القديم الصناعة على أزياء الملوك والملكات فقط، بل حرص على صناعة حفاضات للأطفال بشكل مستطيل من القماش، إضافة إلى ملابس بتصميمات صغيرة للصبية. وفي العصر الروماني تميزت ملابسهم بالقطعة الواحدة الفضفاضة المعروفة بـ"الخيتون القصير" لتسهيل حركة الطفل، وعُرفت أزياء الفتيات بـ"الخيتون الوردي" وهي ملابس دون أكمام مصنوعة من ألوان زاهية مستطيلة الشكل. وبتطور العصور تطور زي الأطفال بثوب بسيط مثبت عليه حزام يشد على الوسط، لتظهر تدريجياً العباءة المربوطة برباط حول العنق.
مصدر ربح
وفي الفترة من 630 إلى 640 ميلادياً، أخذت صناعة المنسوجات منحى جديداً باعتبارها مصدر ربح، ومن هنا تطورت الحرفة بإدخال الحرير والقطن للمواد المستخدمة في الملابس. بعد ذلك حرصت الدولة الأموية على جلب صناع مهرة من خارج مصر، خصوصاً بعد توسعها في دمشق وفرنسا والهند. وتميز العصر الطولوني بمنسوجاته المزخرفة بأشكال الطيور والحيوانات المجنحة، وتفردت الحرفة بالعصر العباسي، بإحلال كتابة أدعية أو اسم الخليفة الحاكم على الملابس بدلاً من النقوش. وتزينت آخر قاعات المتحف بـ"كسوة الكعبة" وهي القطعة المصرية الأخيرة التي أهداها الملك فاروق الأول (1920 - 1965) إلى المملكة العربية السعودية وقتها.