الدولة بين الدِين و القومية

بعد فشل المنظومة الاسلامية العالمية في التصدر وحل مشكلة فلسطين القضية المركزية للعرب والمسلمين في كافة القضايا الاسلامية المختلفة الاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية وهي الاهم برأيي، خصوصا ما بعد المد الناصري الذي امتد من اوائل الخمسينات حتى تاريخ وفاة الزعيم القومي جمال عبد الناصر في بداية السبعينات ، و فرض تلك القوى ، قوى الاسلام السياسي من اصول عربية نفسها او بمساعدة القوى الغربية الحليفة لها ، كما حدث من انتعاش مع القوى الاسلامية في مصر ودول الخليج بعد افراجات السادات عن قادتهم (وقد اعترف السادات لاحقا بخطاه ) كبديل للحركة الناصرية التي افل نجمها بوفاة قائدها ، وانشغال تلك الحركات السياسية والدينية والتنظيمية باقامة الشبكات السياسية و التنظيمية المسلحة كجماعة التكفير والهجرة والتي قتلت شيوخ وعلماء مسلمين معتدلين وكجماعة المتطرفة التي هاجمت الحرم المكي في 1977.

ولقد شهدت اوائل السبعينات ونهاياتها ضعف وحتى بموت المد القومي الا من بعض الجيوب القليلة بالعالم العربي مثل سوريا ، ليبيا ، العراق، اليمن الجنوبي والشمالي اما منشاها الاصلي مصر فلفد اتجهت زعامتها الساداتيه الى الانكفاء داخليا تحت صغط الهموم الملحة للمواطن المصري وايضا بحجة ان معظم اوراق الحل99% بيد امريكا على رايه .

وبداية "الصحوة " الاسلامية على راي بعض مفكريهم ، رافقها موجه عارمة من خلط الاوراق بالعالم العربي فقط وجيرانه الاقليميين عنوانها التامر على هذه المنطقة وسلب ثرواتها بايدي ابناء المنطقة نفسها وتجلت بالصراعات الداخلية الدموية العنيفة والارهابية التكفيرية ضد نظمها تارة ، وضد بعضها تارة اخرى ، مستخدمين المذهبية والطائفية والمللية والشعوبية للتنافس على زعامة العالم الاسلامي المتهالك المترنح بفعل بطش ابنائه حتى هان امره على اعدائه ، وشكلت الضربة العنيفة لهذه المنطقة بالقضاء على الترسانة العسكرية الهائلة للعراق وايران المنتصرة ثورتها على الشاة غانمة ووارثة لرابع ترسانه عسكرية بالشرق الاوسط وخوف هذه القوى ان تتوحد التراسنتين معا وضد عدوا واحد هي " اسرائيل " وحلفائها بالشرق الاوسط .

وقد قامت ايران بالخطوة الجريئة عكس ما يتمناه الغرب وحلفائه و اتخذت الثورة الناشئة خطوه على طريق السيادة للدولة الواحدة بمفهومها الحديث ، واعتبرت من قبلهم مذهبية طائفية وهي نشر افكاره الاسلامية الخاصة بها ولاقت قبول من الكثير من الجماهير الاسلامية انذاك وخافت القوى الاخرى والانظمة وخصوصا السنية وحتى نظام صدام العلماني سار في ركب العداء لهذاالنظام الايراني الخميني الجديد وتصديره للثورة لجيرانه من العرب تحديدا في العام 1979 ، والحقيقة الذي يمهني بهذا المنشور كعربي وكمسلم يهتم بالدرجة الاولى بالهوية الوطنية والقومية اولا واخيرا هو التركيز على نقطة واحدة فقط ليس السرد التاريخي بالطبع والذي يعلمه كل السياسيين والمؤرخيين ، ولكن توضيح ان اخوة العرب بالاسلام من الاعاجم من كل الاجناس والامصار حافظوا على هويتهم الوطنية وباعتزاز بعلمهم وراياتهم الخفاقة فوق بناياتهم الرسمية من مدارس ووزارات ومؤسسات اولا وقبل كل شييء فولائهم لقضاياهم الوطنية ثم القضايا العالمية الاخرى ومنها القضايا الدينية الاسلامية والتي تتشارك بها مع بقية دول العالم الاسلامي ، حتى ان بعض الدول العلمانية من الاغلبية الاسلامية لسكانها و التي تعتبر ان الاسلام دينها الرسمي لم تتوانى ولم تخجل هي وحكامها ومن يرسم سياستهم الخارجية من منذ بداية الصراع الصراع العربي الصهيوني من ان تقيم علاقات دبلوماسية واحلاف عسكرية اقليمية كحلف بغداد بالخمسينات ضد القوى القومية والوطنية وبدعم من امريكا وبمباركة الكيان الصهيوني ومن وتعاون اقتصادي ومخابراتي وحتى ثقافي واجتماعي ضاربين بعرض الحائط اهم قضية تهم العرب والمسلمين وهي القضية الفلسطينية ، ومن هذه الدول بالطبع التي كانت ومازالت تركيا ، وايران الشاه سابقا و علنا، وبعض دول المغرب العربي سرا والتي مازال بعضها حتى الان يقيم هذه العلاقة ، ودول خليجية تكشفت الان بعد كشف غطاء عورتها ، والجميع عرفها الان ولم يعد سبل تطبيعها مع الكيان الصهيوني سرا ومنها قطر والبحرين والامارات وعمان( بضم العين ).

وقد يكشف التاريخ المستقبلي قوى اسلامية رادكاليه تتدعي الجهاد تنسق سر مع اسرائيل من اجل اتمام تسويات ووجود جغرافي لهم متفق عليه ولن نتتطرق الى التعاون السري لبعض الدول العربية التي دينها الاسلام نسقت واقامت علاقات التعاون مع هذا الكيان في غفلة او في علم المؤمنين من المسلمين، وعدم مراعاة مشاعرهم الدينية وغير مهم خدشها او حتى اذائها .

فقط هم العرب كعرب ومن يؤمن منهم بان لهم الاحقية بالمبادرة بفعل ذلك والذين لم يبادروا ابدا بصدق وبعزيمة وباخلاص وكلهم مدانون بهذا الخصوص الى اقامة او تشكيل نواة حقيقية سيادية مؤثره بالعالم العربي تحكم وترسم ويحسب لها الف حساب قبل الاقدام على معاداتها طبعا - ليست كاتحاد الجمهوريات العربية الفاشلة التي اعلنت بالسبعينات - ولا كوحدة ليبيا القذافي مع تونس مره ومع المغرب العربي مرة اخرى ومع دول افريقيه مثل تشاد مرات ومرات ، الصحيح ان مثل المتطلبات الوحدوية او حتى التنسيقية والتفاهمات الملحة من الضرورة بمكان وليس من باب الترف ورفع العتب يجب ان تقام وتنشا على ارضية صلبه للتصدي الحقيقي للغول الصهيوني الذي اعد عدته لالتهام خيرات بلاد الشرق الاوسط سابقا وقد التهمها بالفعل وقد قام ترمب بهذه المهمة ، وبواسطة ادوات قوية منها الطائفية والمذهبية ، والدين ، وجهل شعوب المنطقة بشكل كبير واستعداد فطرتهم المشحونة لانخراطهم بحروب مذهبية وعصبية وقبلية دفاعا عن الوهم المزعوم وهو ان اسلامهم بخطر والذي زرعه الغرب وادواته بعقولهم الساذحة وحسب الترويج والتلاعب بعقول البسطاء منهم فلا حافظوا على اسلامهم الشخصي ولا ازالوا عنه صفة الارهاب العالمي ، بل من المؤسف ان نرى من الغرب من استغل ذلك او قام بشكل تلقائي او دعائي او انساني وحافظ للمسلمين انسانيتهم وضمن لهم ممارسة شعائرهم بالوقت الذي ذبحوا بعضهم بارض الاسلام ، والحقيقة ان الاسلام لا خوف عليه ابدا بوعد من الله فهو دين في سبيله للانتشار رغم كل المعوقات ولامن الخارج ، بل الخطر عليه من الداخل اكثر و من جهل ابنائه وتناحرهم غير المبرر ، ونخلص الى فرضية او هي اصبحت من المسلمات براي وهي غاية الاهمية وهي ان المسلمين من غير العرب قد اقاموا دولهم الوطنية ثم اتى الدين بالمرتبة الثانية ونجحوا في ابراز طابعهم الوطني ، ومن هذه الدول التي نجحت وانعشت مواطنيها ماليزيا ، تركيا ، ايران ( وهي قومية ثم اسلامية ) اندونيسيا ، باكستان الخ ...

اما العرب موطن الاسلام الاصلي فمالذي يمنع من ان تكون لهم فيها دول وطنية قوية وعصرية ومتطوره ومتصالحة مع مواطنيها مسالمة ومحبة للسلام ولكنها قوية ايضا وعنيفة مع من يراد بها سوء او بمواطنيها وهم البضاعة الاغلى لدى كل الدول العصرية ، حيث يرفل الجميع من المسلمين بالاسلام مع غيرهم من اصحاب الاديان الاخرى والمذاهب المختلفة ولكن منظروها المتطرفين والذين ما زالوا ضمن الواجهة الفكرية المتطرفة للاسف نجحوا في ما هم فيه من ضلال في توصيل المسلمين الى الهاوية وارتكبوا باسمهم ابشع المجازر الدمويه والابادات الجماعية التي اسسوا لها باسلوبهم المرعب وممارساتهم غير الانسانية وبتحريض السذج وضعاف العقول على الاقصاء وعدم قبول الاخر من اصحاب الديانات والعقائد والاقليات الاخرى له طيلة العقود الاربعة الماضية وعاشوا العزلة الفكرية ، وارجعوا الاسلام والبلاد العربية الى مائة عام من التخلف والدمار والتصحر المادي والفكري .

سامحونا

د. نائل حطاب