وتحت عنوان "مبادرة حل.. الأمل الأخير لإنقاذ تونس"، نشر العميد مختار بن نصير الرئيس السابق للجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب، مبادرة وقع عليها عدد من الضباط المتقاعدين، طالبوا خلالها بإعادة البلاد إلى المسار الصحيح وتجنب أي مخاطر قد تطرأ نتيجة أي صراع سياسي، مشددين على أن دافعهم الأول لتلك الرسالة هو "المخاطر الجسيمة التي تهدد البلاد".
ويرى الدكتورعبد اللطيف الحناشي، أستاذ التاريخ السياسي بالجامعة التونسية، أن جيش بلاده "محايد" وينأى بنفسه عن الدخول في العملية السياسية بشكل مباشر، وأن الدافع من رسالة الضباط إلى الرئيس هو "الحرص على المصلحة العامة للبلاد"، مضيفا أن "العمل على حمايتها، وهو دافع وطني لا يرتبط بأي مصالح"، ومستبعدا تماما احتمالية أن تكون الرسالة مقدمة لدخول الجيش التونسي على خط الأزمة كما رأى بعض المراقبين.
ووصف الحناشي في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية" الأزمة السياسية في البلاد بأنها " فقدان للثقة" بين مختلف مكونات العملية السياسية، وعلى وجه التحديد بين الرئيس وحركة النهضة، أدت لتفاقم الأزمة السياسية والتي أثرت بعمق على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.
وأشار الأكاديمي التونسي إلى الرسالة التي وصلت إلى الرئيس أيضا خلال الأيام الماضية من جانب الأميرال كمال العكروت، والتي طالب فيها بضرورة إخراج البلاد من أزمتها الخانقة، والتعامل الفوري مع الأزمة السياسية، لكن هذا البيان عارضته النهضة كما عارضته المعارضة، لأنه دعا إلى تغيير الحكم في البلاد، موضحا أن جميع الرسائل من هذا النوع هي محاولة وطنية للبحث عن حلول للأزمة السياسية الخانقة والتي تلقي بظلالها الثقيلة على كافة مفاصل البلاد.
وشدد الحناشي على أن هناك حالة من القلق لدى مختلف مكونات العملية السياسية في البلاد، إذ تخشى حركة النهضة من الإقصاء من جانب الرئاسة باستخدام الفصل رقم 80 من الدستور التونسي، والذي يمنح رئيس الجمهورية الحق باتخاذ التدابير اللازمة لحماية البلاد في الحالات الاستثنائية، مع موافقة رئيسي الحكومة ومجلس النواب على تلك القرارات، وهو ما يجعل فزع النهضة خشية الإطاحة بها أمرا غير مبرر.
وأوضح أنه: "هناك صراع سياسي وعجز من قبل مجموعات سياسية لاحتواء الأزمة، المعارضة لديها هجوم سياسي ضد النهضة لكنها عاجزة عن إدارة الصراع ضدها"، مؤكدا أن الأزمة تعكس "عجز النخبة السياسية في الحكم أو المعارضة على إدارة الأزمة والخروج من حالة الاختناق السياسي"، مشيرا إلى دعوة الاتحاد العام للشغل إلى الحوار عدة مرات دون جدوى.
ومن جانبه يرى الدكتور منير السعيداني أستاذ علم الاجتماع، أنه يمكن قراءة الرسالة على مستويي الشكل والمضمون، لافتا إلى أن نشر الرسالة على العموم وهو نوع من "الخروج" عما اعتيد ترويجه من اتصاف العسكريين من الحرص على واجب التحفظ وعدم خرق الحدود التنظيمية الصارمة ضمن المؤسسة العسكرية. وبيّن في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية" أن مسألة "الخروج عن التقاليد" تزداد وضوحا عندما يتعلق الأمر بالتوجه إلى رئيس الجمهورية وهو حكما، في تونس كما في الكثير من بلدان العالم، القائد الأعلى للقوات المسلحة، ولو كان هذا جرى على ما "تفرضه" التقاليد، لذهبت الرسالة من مرسليها لمتلقيها بطريقة أقصر وأكثر مباشرة وأقل "ضجيجا"، أي شبه سرية أو من دون أن تكون مفتوحة. برلمان تونس يصادق على مشروع تعديل قانون المحكمة الدستورية برلمان تونس يصادق على مشروع تعديل قانون المحكمة الدستورية تونس.. حركة النهضة تتهم الرئيس بعدم التعاون مع مؤسسات الدولة تونس.. حركة النهضة تتهم الرئيس بعدم التعاون مع مؤسسات الدولة
وأشار السعيداني إلى أن الملاحظات تتعلق بالصفة التي قدم بها محررو الرسالة أنفسهم، مضيفا: "هم متقاعدون ويفترض أن تكون صفاتهم الموضوعة قبل التوصيف قد كفّت عن أن تكون موجودة، فضلا عن أن تكون فاعلة بصفتها تلك. استدعاء ما انقضى في هذا التوصيف يراد له وقع محدد، ولكن الوقع المراد لا يتوافق بالضرورة مع الصفة الموضوعة، فليس ما تتناوله الرسالة أمرا عسكريا بحيث يكون لتدخل عسكريين، حتى متقاعدين، بعض المعنى فيه".
وبيّن أن الأمر سياسي بحت أريد للتدخل فيه أن يستثمر نوعا من الصورة المفترضة للمؤسسة العسكرية، استثمارا سياسا خاصا وفي اتجاه محدد.
وتابع موضحا: "لأن الأمر سياسي، تتعلق آخر الملاحظات بالهالة الإعلامية التي غطّت الرسالة وهي هالة تهدف لتحقيق نوع من (الرد) على الوقع الذي أريد إحداثه هو أيضا لمبادرة الأميرال العكروت، المتقاعد أيضا، التي أراد منها أن يبعث (ديناميكية سياسية في اتجاه محدد)، محاولا هو أيضا استثمار الصورة المفترضة للمؤسسة العسكرية، مضافا إليها أثر ما كان تقلّده من مناصب سياسية استشارية زمن الباجي قائد السبسي تحديدا."
وبحسب السعيداني فإن لغة الرسالة سياسية واضحة الاتجاه في التأكيد على معجم محدد (مرحلة انتقالية، تعديلات، الإصلاح التدريجي، مبدأ التحاور، رأي الأغلبية، "التداول على السلطة، صندوق الانتخابات، النظام الديمقراطي،... إلخ.) وهو ما يشير إلى دور سياسي يرشح هؤلاء المتقاعدون العسكريون أنفسهم للاضطلاع به.
ويؤكد الأكاديمي التونسي، أن الرسالة تستثمر ما تحمله الصورة الرائجة للجيش وللمؤسسة العسكرية لدى التونسيين، من مزايا وعلى الأخص نتيجة نجاحاته في مقاومة الإرهاب، وعلى ذلك لا تخفي الرسالة أنها تنحاز إلى غير جهة "التراشق بالتهم وتحميل الآخرين مسؤولية الإخفاق، فالكل يتحمل قسطا من مسؤولية ما حصل وما يحصل، وبطبيعة الحال، يتحمّل من هو في المواقع العليا للسلطة قسطا أكبر من تلك المسؤولية، إِذ عليه تقديم البدائل والدفع باتجاه الحلول".