أمس، بالتوازي، هبطت وبنسب عالية أسعار معظم البضائع والمواد الخام، وبخاصة النفط الذي انخفض بنحو 12 في المئة، بعد بيان الرئيس بايدن أول أمس الوقف التام لشراء النفط والغاز الطبيعي والفحم من روسيا. صحيح أن الولايات المتحدة لا تستورد من روسيا إلا 2 – 3 في المئة من إجمالي النفط، ومع ذلك، توقع معظم المحللين بأن المقاطعة الأمريكية سترفع السعر، ولكن لم يحدث ذلك
هل هناك أساس لتفاؤل الأسواق؟ من جهة، واضح كالشمس (أو كالثلج الذي يغطي تلال أوكرانيا) بأن الغزو البوتيني لم يحقق حتى ولا حتى واحد من أهدافه. الجيش الروسي بالكاد يسيطر على نحو 4 في المئة من أراضي أوكرانيا، بل ويعاني نقصاً خطيراً في التوريد والاتصال والمعنويات.
الخبراء الذين رووا عن عبقرية التكتيكات العسكرية الروسية، التي تتقدم مرحلة إثر أخرى وفقاً لخطة مرتبة لمحاصرة كييف واحتلالها، أخطأوا خطأ جسيماً. فالجيش الروسي لم يتحرك منذ أيام عديدة، واستبدل التقدم بالنار على تجمعات ومؤسسات مدنية. هذه صورة هزيمة وليست نصراً.
الأوكرانيون موحدون في مقاومتهم للغازي الروسي لأول مرة. الرئيس بوتين دعا الأوكرانيين حين خيل له أن جيشه يقف على بوابات النصر، إلى التحرر من الرئيس النازي اليهودي الجديد زيلينسكي، أما اليوم فمكانة الأخير متماسكة ولا شك فيها؛ هو تشرتشل الشعب الأوكراني.
بالمقابل، بدأ تأييد الحرب وبوتين يتشقق داخل روسيا: تسود خلافات صاخبة في هيئة الأركان الروسية العامة، ولا توجد في أرجاء روسيا مظاهرات تأييد “عفوية”، وفشل إغلاق مواقع إنترنت غربية، وثمة أصوات نقدية تسترق عبر التلفزيون الرسمي. ربما أحب الشعب الروسي بوتين، ولكنه لا يحب آلاف القتلى في حرب زائدة ولا عودة كاملة لاقتصاد العوز لكل شيء، للشمولية الإعلامية، والعيش من خلف ستار حديدي – مع أرباب مال أشرار، وبدون شيوعية خلقت وهم المساواة.
غير أن لذاك الواقع جانباً آخر؛ فالرئيس بوتين أصبح الرجل الأكثر كرهاً خارج حدود روسيا، رمز السياسي المعقد الذي لا ضمير له ولا أخلاق. إذا لم يجلب أوكرانيا على طبق من النصر، سيجد نفسه خارج أسوار الكرملين. ليس لبوتين، بالتالي، ما يخسره من استمرار الحرب واحتدامها، وهو قادر على اختيار خطوة خاسرة. ليس بالضرورة أن يضغط على زر نووي، لكن قد يقصف بسلاح كيماوي، والغرب يخشى هذا الخيار.
من السابق لأوانه أن نحتفل، فالحرب التي “ليست كافية بعد” لم تنته. الجنود الروس التعبون لم يتراجعوا من أوكرانيا بعد، مليونا لاجئ لم يعودا إلى ديارهم، والقصف لم يصمت. خطر تصعيد الحرب يحوم فوق أوكرانيا وأوروبا والعالم.