اغتيال المُسّن عمر أسعد قيّدوه لساعاتٍ وتركوه ينزف
السجّل الحافل لهذه الكتيبة الدينيّة-المُتطرّفة يشمل أيضًا التسبب في استشهاد المسن الفلسطيني عمر أسعد في يناير (كانون الثاني) الماضي بقرية جلجليا شمال رام الله بعد أنْ قيدوه لساعات، وألقوه في البرد القارس.
وتضاف قضية الاستشهاد تلك، إلى سجل طويل من الممارسات القمعية والارتجالية التي تقوم بها هذه الكتيبة التي تحولت إلى (مليشيا) تتمتّع باستقلاليةٍ نسبيّةٍ داخل جيش الاحتلال، ومحصنّة من كلّ محاسبةٍ، بحسب الوكالة الفلسطينية.
من ناحية أخرى، وصف رئيس أركان جيش الاحتلال أفيف كوخافي الفيديو “بالمثير للاشمئزاز وبالمنافي لقيم الجيش”، حسبما أفادت هيئة البث الإسرائيلي
وذكرت الهيئة الإسرائيلية أنّ كتيبة (نيتسح يهودا) مكونة من يهود متزمتين دينيًا، وأكّد كوخافي أنّه ينظر إلى هذا الحادث بعين الخطورة متعهدًا بتحقيق دقيق في الواقعة ومحاسبة الضالعين فيها، وفق الهيئة.
تأسيس كتيبة (نيتسح يهودا)
يعود تأسيس كتيبة (نيتسح يهودا) إلى العام 1999، كإحدى الكتائب التابعة لسرية (كفير) التي تحمل رقم 900 بناءً على تعاون حثيث ما بين المجتمع الحريدي، أيْ المجتمع الدينيّ-اليهوديّ المُتزّمت، والذي ترفض الأغلبية الساحقة منه الانخراط بالجيش الإسرائيليّ، ووزارة جيش الاحتلال، قادته جمعية تحمل اسم الكتيبة ذاتها، بهدف دفع الشبان الحريديم للتجنّد في صفوف الجيش الإسرائيليّ.
ووفق تقرير للمركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار) بشأن هذه الكتيبة، تهدف جمعية (نيتسح يهودا) إلى دعم الجنود الأرثوذكس المتطرفين، ومرافقتهم خلال خدمتهم العسكرية التي تمتد إلى عامين، وما بعدها.
بيد أنّ الجمعية اتسّع نطاق عملها لتستهدف تجنيد شبان متطرفين قد لا ينتمون بالضرورة إلى مجتمع الحريديم، لكنهم في المقابل يعدّون متدينين وعقديين مثل مجتمع المستوطنين، وخاصة تيارات الحردلية (التيارات التي تجمع ما بين البعد القومي الصهيوني والبعد الديني المتزمت).
وبينما ترعى الجمعية حوالي 2400 شاب حريدي فشلوا في الالتحاق بالمدرسة التوراتية، فإنها تضم بين صفوفها حوالي 14 ألف مقاتل إسرائيلي، وحوالي 700 جندي وافد من الخارج، تم تجنيدهم من المجتمعات اليهودية في العالم.
ويتوزع هؤلاء الجنود جميعًا على أكثر من 6 كتائب أهمها كتيبة (نيتسح يهودا) التي تحمل اسم الجمعية، لكنها تعد الأكثر جذبًا للجنود المتطرفين، وتعمل الكتيبة بالأساس في منطقة رام الله وضواحيها، وتضم في صفوفها حوالي ألف مجند.
فرض الحكم على الفلسطينيين وضبطهم يعد مهمة “مقدسة” دينيًا وليس مجرد مهمة عسكرية
وما يميز هذه الكتيبة هو تبلور عقيدة أيديولوجية دينية سياسية تدفع جنودها إلى الاعتقاد بأنّ فرض الحكم على الفلسطينيين وضبطهم يعد مهمة “مقدسة” دينيًا، وليس مجرد مهمة عسكرية مرتبطة بقرارات صادرة عن قيادة الجيش.
ولأنّ معظم جنود هذه الكتيبة تمردوا في السابق على أسرهم وحاخاماتهم وفشلوا في دراسة التوراة، فإنهم يجدون في (الحكم المقدس) على الفلسطينيين مناسبة لإثبات الذات من خلال ممارسة العنف المفرط، وهو أمر معروف لكل قادة هذه الكتيبة.
لماذا لا يُحاكَم الجنرالات الذين يُصدرون الأوامر وقضاة العليا الإسرائيليّة الذين يُصادِقون على الإجراءات؟
إلى ذلك، وفي مقالٍ نشرته درور سادوت، الناطقة الرسميّة بلسان منظمة (بتيلسيم) قالت إنّ المجتمع الإسرائيليّ والقادة في الكيان يقومون كلّ مرّةٍ بإيجاد (كبش فداء) لاتهامه بقتل الفلسطينيين والتكيل بهم، ولكنّ المسوؤل الرئيسّي والحقيقيّ، أيْ الساسة، الجنرالات الكبار، لا يقومون بالتحقيق معهم، كما أنّ مَنْ قام بصياغة أوامر الفتح بالنار وأولئك الذين سمحوا لكلّ جنديٍّ بالدخول إلى بيوت الفلسطينيين، وأنْ يُوقفوا كلّ مركبةٍ فلسطينيّةٍ، واعتقال أيّ فلسطينيّ، لم يتّم التحقيق معهم، مُضيفةً في مقالٍ نشرته بصحيفة (هآرتس) العبريّة أنّ التحقيق الإسرائيليّ لا يشمل قضاة المحكمة العليا الإسرائيليّة الذين صادقوا على كلّ أمرٍ وأجراءٍ يقوم به الجيش الإسرائيليّ، كما قالت.
وتابعت قائلةً إنّ قضية كتيبة (نيتساح يهودا) تُذكّر بالتعامل مع البؤر الاستيطانيّة غير الشرعيّة، وجوهم تعبِس قبالة البنيات المؤقتة التي تُقام وأيضًا (المزارع للفلّاحين)، بالإضافة إلى أنّهم يعبِسون عندما يُشاهدون الفيللات التي تُقيمها الحكومات الإسرائيليّة بتمويلٍ كاملٍ
(نيتساح يهودا) هي من موبقات الاحتلال والجنود من جميع الوحدات يضربون الفلسطينيين منذ عقودٍ
وخلُصت الكاتبة إلى القول إنّ المشكلة ليست في كتيبة (نيتساح يهودا) لليهود المُتزمتين واليمينيين، الذي يقومون بالغناء في قواعدهم العسكريّة (يعيش كهانا)، وهو الحاخام مئير كهانا، صاحب نظرية طرد جميع العرب من أرض فلسطين التاريخيّة، وبعد ذلك يذهبون للتنكيل والاعتداء وضرب الفلسطينيين، بلْ الحقيقة الساطعة تؤكِّد أنّه منذ عقودٍ طويلةٍ يقوم الجنود بضرب العرب، وهم من جميع وحدات الجيش، لذا فإنّ المشكلة ليست (نيتساح يهودا) بل الاحتلال هو المُتهّم الرئيسيّ، على حدّ تعبيرها.