الدورة 55 لمهرجان قرطاج الدولي عرض "بيغ بوسا" لوجيهة الجندوبي

كيف يمكن لموظفة بأحد الصناديق الاجتماعية أن تتحوّل إلى وزيرة تم تعيينها بإرسالية قصيرة عبر الهاتف الجواّل في الساعة الرابعة صباحا؟ بهذا السؤال العبثي دخل جمهور الدورة الخامسة والخمسين لمهرجان قرطاج الدولي ليلة الاثنين 22 جويلية 2019 في تفاصيل مسرحية "بيغ بوسا" كتابة وإخراج وتمثيل الفنانة وجيهة الجندوبي...

عمل من نوع "وان وومن شو" ذلك الشكل المسرحي الذي يصنّف ضمن السهل الممتنع لأنه يستقي شخوصة ووضعياته من الحياة اليومية والواقع المعيش لتحويلها إلى كوميديا سوداء تضحك الجمهور لكنها في الوقت نفسه تحفر عميقا في جسد المجتمع وتكشف عيوب أفراده... "جليلة" هي الشخصية التي دخلت وجيهة الجندوبي في ثوبها في "بيغ بوسا" لتراوح على امتداد ساعة ونصف بين وضعيات حقيقية استقتها من بيئتها ومحيطها العائلي وأخرى متخيلة وهي تستعدّ لمنصب الوزيرة بما يتوجّب عليها تعلّمه وتغييره والقطع معه بداية من الزوج مرورا بالشكل واللباس ومحل الإقامة والعلاقات...

رحلة مثيرة في تفاصيل المجتمع التونسي والمشهد السياسي اليوم، تحدّثت خلالها وجيهة الجندوبي عن مؤسسة الزواج، عن الأسواق، عن الأفراح والمآتم، عن العلاقات الأسرية والمهنية وعن الوضع السياسي والاقتصادي في تونس، تحدّثت عن استغلال المناصب والمحسوبية والفساد وتبذير ميزانيات الوزارات في الكماليات الخاصة، عن الإعلام اليوم وكيفية توظيفه والجمعيات الخيرية والحقوقية وأهمية مواقع التواصل الاجتماعي/السوشل ميديا لكشف الحقائق أو استغلالها كوسيلة تضليل...

تنقد آداء الحكومة ومجلس نواب الشعب، تفتح أقواسا كثيرة ليتداخل الواقعي والمتخيّل وتراوح بين هذا وذاك بمشاهد مصورة على الشاشة الكبيرة خلف الركح و"السواتر" التي تضاء حسب السياق كشاشة كمبيوتر على صفحة "اليبغ بوسا" وما تنشره لمتابعيها. ساعة ونصف من الضحك المتواصل استدعت خلالها وجيهة عديد الشخصيات التي قدمتها فيما يشبه الكاريكاتير وظفتها في حكايتها مستعملة كل أدواتها المسرحية من رقص وتقليد وارتجال موظّف تطلّبه السياق وضيوف الصف الأمامي لشدّ الجمهور وإضحاكه وقد نجحت في ذلك على امتداد زمن العرض رغم صعوبة المهمة... شاكست وزير الفلاحة برشاقة وذكاء وكذلك صديقتها بشرى بلحاج حميدة في عديد المشاهد المرتجلة حتى بدت تلك المشاكسة الطريفة وكأنها جزء من العرض... "بيغ بوسا" عرض ينتهي بجملة بسيطة التركيب عميقة المعنى: "البلاد تحبّ شكون يحبّها" تلك الجملة أو الدعوة الصريحة لحب البلاد كانت هي الرسالة والمغزى في هذا العمل الكوميدي الذي استطاع أن يسعد جمهور قرطاج الحاضر بكثافة بكل مستوياته وشرائحه العمرية وهو المغزى الثاني الذي راهنت عليه المخرجة/الكاتبة/الممثلة وجيهة الجندوبي وهي تحمل كامل وزر هذا العمل على أكتافها لتواجه به الجمهور وحيدة مستعينة بخبراتها السابقة وثقتها في أدواتها المسرحية وثقتها في جمهور أحبّ ما تقدمه وأصدقاء من الفنانين جاؤوا لمؤازرتها على غرار لطفي العبدلي وكوثر الباردي وحسام الساحلي...

وآخرون لم تبخل عليهم بالتحية والشكر خلال العرض. لم تقفل وجيهة الجندوبي حكايتها بمعنى أنها لم تضع لها نهاية حتى أننا لم نعرف ما الذي حدث لجليلة التي صارت وزيرة أو حلمت وقد يكون ذلك مجرّد توهّم... انتهى العرض في طريق مفتوح ذي اتجاهين أو أكثر لأنها حكاية لا تنتهي والتهكّم على الوضعيات التي نعايشها وشاهدناها على ركح المسرح الروماني بقرطاج مساء الإثنين لا ينتهي... وضع نهاية لما عرض لا يهمّ، المهم في كل هذا هو تفاعل جمهور جاء باحثا عن ضحكة وعن فرحة أو بالأحرى عن "تنفيسة" هذا ما أكدته وجيهة الجندوبي في الكواليس خلال لقاء جمعها بالإعلاميين مباشرة بعد العرض وأضافت أن الكتابة روح تلقائية منظمة ومدروسة تعلّمتها في المعهد وعندما يتحول الممثل إلى كاتب للعمل فهذا العمل يحمل بالضرورة بصمته، وعن الحرية في الإبداع قالت وجيهة إنها تؤمن بالحرية في الكتابة والمعالجة والحركة "أنا مفتوحة على كل المواضيع...لا يوجد لديّ تابوهات وتلك وظيفة الفن الذي وجد لمحاكاة الواقع وحمل هموم الناس وتجسيدها... وما تحدّثت عنه في عرض اليوم موجود في كلّ مكان ولا ينطبق على تونس فقط بل على كل البلدان العربية". وعن العروض القادمة وإمكانية تغيير المواقف حسب المستجدات وحسب طبيعة فضاء العرض أجابت وجيهة بأن المسرح فنّ متحرّك وقابل للتغيير حسب الفضاء الذي يعرض فيه، أما النص فهو ثابت ما يتغيّر فيه هي تلك الارتجالات التي يتطلّبها الظرف ونوعية الجمهور.