جد وحفيد يعيشان في بيت فقير يتضوران جوعا، يطرق الباب وتدخل سيدة حسناء تقول أنها مرسلة من طرف الأسياد خدمة للإنسانية حاملة معها ما لذّ وطاب جاءت لتسمع مشاكلهما الاقتصادية والاجتماعية ولتطبخ لهما على امتداد سبعة أيام، يرفض الجد دخول غريب لبيته يتحكّم في أكله وشرابه ويقلب نظام حياته، بينما يرحّب الحفيد الذي كان يتضوّر جوعا بالزائرة وما تحمله معها...
لم تأت الزائرة وحيدة بل كانت مصحوبة بكلبها "دودي" الذي تسلل إلى المطبخ ومات فجأة مسموما بسمّ الفئران. تأخذ الحكاية منعرجا خطيرا وتغضب الطباخة متهمة أصحاب البيت بالإجرام والإرهاب وتضعهما أمام خيارين إما السجن أو الصوم والحداد على الكلب على مدّة سبعة أيام...
طبعا فكرة السجن والتحقيق ترعب الحفيد والجد فيختاران الحلّ الثاني، ومن المفارقات المضحكة تلك الجملة التي تأتي على لسان الجد: "يموت الإنسان ولا نحزن عليه ثلاثة أيام، وتطلب منّا الحداد سبعة أيام على كلب؟" ومع ذلك ولأن الطباخة مدعومة من السلطة تقام طقوس الحداد لدودي الذي يُدفن في المطبخ وتظلّ إلى جانبه لتحرس روحه وتفرض عليهما لبس الأسود والوقوف ساعة صمت كاملة رحمة لروحة، وإمعانا في العقاب تطلب منهما القيام بمهمّة الطبخ وتمنعهما من الأكل... "السيّد يصير عبدا عندما يفقد سيادته، والعبد يصبح سيدا عندما تكثر أطماعه" حكمة قالها الجد لحفيده الذي رحّب في البداية بالزائرة وحاول إقناعه بأنه لا أحد يقدّم له خدمة مجانية... تلك الحكمة التي لم يفهمها الشاب الغرّ الذي ولد في زمن الهزيمة والفقر.
تمرّ الأيام السبعة بطيئة تستنزف جسد صاحبي البيت وفي اليوم الأخير تنفرد الطباخة بالشاب الذي يمثّل الحلقة الأضعف وتقنعه بمحاولة التأثير على الجد ليبيعها البيت ويعيشان بثمنه في مكان آخر متنعمين بالثورة، وطبعا يرحّب الحفيد المحروم بالفكرة بينما يرفض الجد المتمسّك ببعض المبادئ هذه الصفقة المريبة لأنه يعرف مغزاها وأهدافها باعتبارها خطوة استعمارية واضحة: "نحن جائعان لكننا نملك بيتا يسترنا ويأوينا، وإذا بعناه نصير مشرّدين وجائعين..." وهو حال كلّ فلسطيني أُخرج من بيته لعيش مشرّدا مشتّتا على الخريطة. تنتهي الأيام السبعة وتغادر الطباخة...
وفجأة يطرق الباب من جديد ويعتري الجد والحفيد خوف من الطارق، خلف الركح تصرخ الطباخة مولولة لموت كلبتها سوزي مسمومة... المحتلّ لا يستسلم ويظلّ يستعمل كل الحيل والخدع لتنفيذ مخطته. "كلب الست" مسرحية سياسيّة بامتياز هي كوميديا سوداء تفضح تسلّط الاحتلال وأساليبه الملتوية وتخفّيه وراء قناع الإنسانية والخدمة الاجتماعية والمصلحة العامة لقهر الشعوب وتشريدهم... نجح المخرج الشاب في تبليغ كلّ الرسائل وفكّ شيفرة الدلالات والرموز باستعمال كوميديا الموقف وهو أسلوب بعيد عن التعقيد لكنه يصيب الهدف في الصميم.