بهذه الكلمات افتتح السيد يوسف بن ابراهيم أربعينية فقيد الساحة الثقافية التونسية الأستاذ حمادي بن عثمان التي حضرها عديد الفنانين والمسرحيين والسينمائيين من بينهم الفنان لطفي بوشناق، رؤوف بن عمر، الشاذلي الحاجي، شكري بوزيان، الدكتور علي الورتاني، فتحي زغندة، رؤوف الباسطي، عبد الباسط بالقايد، الشاذلي بن يونس، إضافة إلى عدد من أصدقاء الفقيد وأرملته ونجله اللذان كرّمهما كلّ من السيد يوسف بن ابراهيم والسيد محمد الهادي الجويني المنسق العام لمدينة الثقافة وذلك يوم الجمعة 26 مارس 2021 بمسرح المبدعين الشبان بمدينة الثقافة الشاذلي القليبي.
وفي نفس الإطار أكّد السيد يوسف بن ابراهيم أن الفقيد الأستاذ حمادي بن عثمان يعدّ أحد أهم الفاعلين الأساسيين في القطاع الموسيقي في بلادنا، لم ينقطع نشاطه على امتداد أكثر من خمسين عاما دون كلل أو ملل، وشملت أنشطته بالخصوص مجالات فنية وإدارية، فقد انخرط في العمل الثقافي من نعومة أظفاره، وأظهر موهبة فطرية في العزف والغناء كأحد الأعضاء الناشطين في الجمعيات الشبابية، وعزّز قدراته بالدراسة سواء في المجال التربوي، فهو خريج مدارس ترشيح المعلمين بتونس، أو في المجال الفني بعد حصوله على دبلوم الموسيقى العربية، إضافة إلى ما حذقه من معارف استقى أصولها من معين عدد من الشيوخ والأساتذة العارفين بالتراث في رحاب الجمعيات وخاصة منها الرشيدية معقل المحافظة على التراث الموسيقي الأصيل.
وأشار:"استقى الفقيد أصول الموسيقى من أكبر الشيوخ والأساتذة العارفين بالتراث في رحاب الجمعيات وخاصة منها الرشيدية، معقل المحافظة على التراث الموسيقي التونسي الأصيل.
ومكنه ذلك الرصيد المعرفي والتجربة من خوض غمار الإنتاج في إطار الفرق الموسيقية الوطنية، كالفرقة الوطنية للموسيقى إبان تأسيسها وفرقة الإذاعة التونسية وفرقة مدينة تونس للموسيقى وغيرها من المجموعات الخاصة التي فتحت له الأبواب للعمل والإنتاج، ولم يكن بعيدا عن الفن الرابع بحکم الصداقة التي ربطته منذ شبابه بعدد من أهم رموزه من أترابه، بما أهله للدخول في مغامرة التلحين ضمن أهم الفرق المسرحية منذ مطلع سبعينات القرن الماضي، فكان من أبرز عناصر فرقتي قفصة والكاف على سبيل الذكر لا الحصر، ساهم في وضع الألحان لعدد من أعمالهما الدرامية، وقادته نجاحاته حتى كاد أن يتصدر المتخصصين في وضع الموسيقى التصويرية لعشرات المسرحيات والمسلسلات التلفزيونية والأفلام السينمائية، دون أن ننسى ألحانه في قوالب موسيقية مختلفة منها الأغاني التي شدت بها حناجر مطربات ومطربين من أجيال متعاقبة منذ سبعينات القرن الماضي، من المطربة عليّة إلى رحاب الصغير وبصابر الرباعي وذكرى محمد ولطفي بوشناق وصلاح مصباح وسنيا مبارك وغيرهم كثير من مطربي ومطربات جيل الشباب، واستمر على ذلك الدرب حتى وفاته رحمه الله، وذلك بالنظر لما تميزت به أعماله من نهل من الينابيع الصافية للموسيقى العربية، التونسية منها والمشرقية.
" وقال في إشارة لأخلاق الموسيقار حمادي بن عثمان أنّ ما طبع عمله من جدية وانضباط جعل وزارة الشؤون الثقافية تلحقه للعمل في مصالحها، فكان أحد الإطارات العاملة بإدارة الموسيقى والفنون الشعبية وبمركز الموسيقى الخاص بتعليم الكهول، وبالمعهد الوطني للموسيقى والرقص الذي أداره بكل اقتدار حتی إحالته على التقاعد، كما أشرف على هياكل فنية منها الفرقتان الوطنيتان للموسيقى والفنون الشعبية، وكان الموظف والفنان المثالي في كل ما أداه من وظائف.
وعلى الصعيد الخارجي، مثّل الفقيد حمادي بن عثمان تونس أحسن تمثيل، سواء في الجامعة الدولية للشبيبة الموسيقية أو في المجمع العربي للموسيقى فاستعرض، من خلال المحاضرات التي ألقاها أو مشاركاته مكتبيها التنفيذيين، ما تحقق في بلادنا من إنجازات لفائدة الموسيقى ونشرها بين الشباب وسائر المواطنين. وفي ختام كلمته أكّد السيد يوسف بن ابراهيم أنّ كل هذه الجهود المتواصلة المتسمة بالمثابرة جعلته أهلا لنيل العديد من الجوائز والتكريمات على المستويين الوطني والعربي، من ذلك فوزه بجائزة أحسن موسيقي للأعمال الدرامية التلفزية في المهرجان الثاني للتمثيليات العربية سنة 1983 والجائزة الكبرى في مهرجان الأغنية التونسية في إحدى دوراته والجائزة الوطنية للآداب والفنون سنة 2002، كما كرمه مهرجان ومؤتمر القاهرة للموسيقى العربية المنظم بدار الأوبرا المصرية ونال جائزة المجمع العربي للموسيقى (جامعة الدول العربية) لسنة 2015 في الإنتاج الموسيقي عن مجمل أعماله في التلحين وأحرز على وسامي الاستحقاق الثقافي من الصنف الثاني والجمهورية، الصنف الثالث. وقال في الإطار نفسه:"اليوم، إذ نستذكر هذه الإنجازات المتعددة، نؤكد على أن بلادنا أنجبت ومازالت تنجب القدرات في المجالات الإبداعية وغيرها من الميادين بفضل عزيمة أبنائها من مختلف الأجيال الذين يحدوهم حب البلاد والحرص على النهوض بها وتجاوز ما يحدث فيها من هزات أو عقبات أو صعوبات ظرفية.
وعزاؤنا في فقدان حمادي بن عثمان هو الأمل أن تستغل الأجيال من الشباب آثاره الفنية وأن تبقى حية متداولة بين الناس. رحم الله سي حمادي وأسكنه فرادیس جنانه وألهم أهله وذويه وأحباءه وأصدقاءه جميل الصبر والسلوان." كما قدّم المايسترو محمد الأسود على الكمان رفقة عازف البيانو رياض البدوي مجموعة من أشهر ألحان الموسيقار حمادي بن عثمان مثل موسيقى مسلسل "الخطاب على الباب"، "مطوس"، "نساية" وغيرها، قبل أن يعرض مكتب الإعلام والاتصال لمدينة الثقافة شريطا وثائقيا من انتاج المؤسسة الوطنية لتنمية المهرجانات والتظاهرات الثقافية والفنية، بعنوان "حمادي بن عثمان، مسيرة صدق و إبداع"، جمعت فيه شهادات حيّة لأصدقاء وزملاء فقيد الساحة الثقافية التونسية وعرضت خلاله آخر ألحان الفقيد وهي أغنية جديدة لحّنها للفنان لطفي بوشناق، كلمات الشاعر آدم فتحي، تنفيذ محسن الماطري والتي قدّمها بوشناق بالمناسبة لأول مرة ضمن هذا الشريط وفاء لروح الأستاذ حمادي بن عثمان.